لما بين الله تعالى - قبل هذه الآية - أنه أَنزل على رسوله ﷺ، الكتاب والحكمة، وعلَّمه ما لم يكن يعلم: أَتبعه ذكرَ بعضِ ما أَنزله عليه من الكتاب والحكمة مما يدعم أَواصر المحبة بين الناس، ويقضي على أَسباب النزاع بينهم. كما أَن فيه ردًّا على مَن كان يحرض رسول الله ﷺ، على أَن يقضيَ لصالِحِ من سَرَق الدرع وخبأَها عند اليهودي، فيبرئه ويقضي على اليهودي!!
والمعنى: لا خير في أَحاديث الناس فيما بينهم، إِلا في حديث مَنْ أَمر بصدقةٍ - واجبةً كانت أَو متطوَّعًا بها، أَو أَمر بما عُرِف حسنُه شرعا أَو عرفا، ولم يعارض قاعدةً شرعية، وتقبلهُ العقول الخالصة من الهوى بالرضاء، أَو أَمر بإصلاح بين الناس، حتى يحُلَّ الوئام محل الخصام.
فهذه الجهات الثلاث، هي التي تكون النجوى - أي الحديث الجانبي فيها - خيرا مشروعا مثابا عليه.
أَما الأَحاديث الجانبية التي يتآمر فيها المتآمرون على الإِضرار بعباد الله، أَو يتناجى فيها المتناجون بالمعاصي والهذيان، فلا خير فيها ولا ثواب عليها، بل يعاقب عليها، لأنها كانت في معصية الله تعالى.
فإنما يثاب الإِنسان على المعروف، إِذا ترك الامتنان والإِعجاب به، ولا يتم المعروف - كما قال ابن عباس ﵄: - "إِلا بثلاث: تعجيلِه، وتصغيرِه، وسترِه. فإذا عجّلته هنأته (١)، وإِذا صغّرته عظمته، وإِذا سترته أَتممته".
وقد دعت الآية الكريمة إلى فضيلة الإِصلاح بين الناس، وجعلتها خيرا مثابا عليه، لما لها من الأَثر العظيم فيهم، حيث تُحِلُّ الوئامَ محل الخصام، والراحةَ النفسية محل القلق، والتفكيرَ في الخير مكان التفكير في الشر، فيسودُ الأمن والسلام.