للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلا عذر لأَحد بعد ذلك، ولكن من الناس من عطل مشاعره وقواه، وصرفها عن استعمالها فيما يهديه، فظلم نفسه ومجتمعه والإِنسانية كلها، فاستحق من الله الجزاءَ العادل.

والمعنى: إِن الله لا يظلم الناس شيئًا من الظلم حين يعاقبهم يوم القيامة على معاصيهم فقد منحهم سائر القوى التي تمكنهم من فعل الخير وتمنعهم عن الشر، فصرفوها في غير ما خلقت له، ولكنهم هم الذين ظلموا أَنفسهم حيث استمروا على السيئات الموجبة للتعذيب فكان عقاب الله لهم جزاءً وفاقًا، فهو عدل من الله تعالى لا ظلم فيه.

وفي الآية إشارة إلى أَن عاقبة ظلمهم مقصورة عليهم، وأن للعبد كسبًا وليس مسلوب الاختيار كما زعمت الجبرية، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ (١).

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾

[التفسير]

٤٥ - ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾:

هذه الآية للتذكير بمقدار ظلم الظالمين المشركين لأَنفسهم وخسارتهم في الآخرة بسبب تكذيبهم بها، وكفرهم بالحساب والجزاءِ فيها.

والمعنى: وَحَذِّرْهم أَيها الرسول يوم يحشرهم الله ويجمعهم بعد بعثهم من القبور في موقف الحساب والجزاءِ، وحينئذ يدركون قصر مدة مكثهم في الدنيا كأَنها مقدار ساعة قضوها وحين يخرجون من قبورهم يتعارفون بينهم، فلا ينسى أحد منهم من كان يعرفه من قبل، ثم تنقطع المعرفة عندما يشاهدون أَهوال القيامة ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ (٢).


(١) الطور من الآية: ٢١
(٢) سورة عبس الآيات: ٣٤ - ٣٧