للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾: أي أَنهم لم يستمعوه استماع تفهم وإِقبال، حيث أَغلقوا نوافذ العقل والعلم، فلهذا اعتبرهم الله صمًّا لا يسمعون، وأنزل على رسوله هذه الجملة معذرا له في عدم استفادتهم من تبليغه.

والمعنى: أَفأَنت تسمع من فقدوا حاسة السمع، ولو كانوا مع صممهم لا يعقلون، كهؤلاء الذين أَعرضوا عن الإيمان بما دعوتهم إليه، يعني أَن هؤلاء المشركين جمعوا إِلى صممهم عدم العقل ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ (١). ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (٢).

٤٣ - ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾: أَي يتأمل في شأْنك ويعاين دلائل نبوتك ويشاهد عبادتك وسيرتك في حياتك العملية الكريمة، ومع هذا لا يزال مقيمًا على عناده مصرًّا على كفره وتكذيبه.

﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾: المراد بكونهم لا يبصرون، أَنهم لا بصيرة في قلوبهم، ولا تفكير لديهم، والمعنى: أَفأَنت تستطيع أن تهدى من فقد البصر فكيف إِذا انضم إلى فقد البصر فقدان البصيرة، والمقصود من الآيتين: أن هداية الدين كهداية الحس لا تكون إلا للمستعد لها، ولهذا كان لا بد في هداية الدين من هداية العقل، وهدايةُ العقل لا تحصل إلا بتوجيه النفس وصحة القصد التماسا لهداية الله، وليس عليك إلا البلاغ كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (٣) وفي هذا مواساة كريمة من الله لرسوله .

٤٤ - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾: لما بين فيما سبق امتناع اهتدائهم لأَنهم عطلوا أَسماعهم وأَبصارهم وعقولهم، بين في هذه الآية أَنه تعالى لم يظلمهم حيث وهب الناس الأَسماع والأَبصار والعقول وسائر الحواس، ليصرفوها فيما خلقت من أَجله، وشدَّ أَزرَ الحواس بالعقل، وأَزر العقل بالهدى عن طريق إِرسال الرسل والكتب، وسخر لهم ما في السموات وما في الأَرض ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ (٤).


(١) سورة فاطر من الآية: ٨
(٢) الشورى من الآية: ٤٨
(٣) البقرة من الآية: ٢٧٢
(٤) النساء من الآية: ١٦٥