انتقلت الآيات بعد شرح أحوال المشركين، وعرض ما يستحقون من العذاب، وما أعدَّ لهم من سوء الجزاء إلى وصف أحوال المتقين وما ينتظرهم من نعيم لقاء ما أخذوا به أنفسهم في الدنيا من الإحسان، وقاموا عليه من الطاعة والانهماك في العبادة وبذل الصدقات، في سبيل الله عن رضًا وسخاء.
والمعنى: إن المتقين الذين سلكوا الطريق السَّوى فلزموا الطاعة ووقوا أنفسهم من مهالك الشرك، ومهاوى المعاصي سيسعدون في الآخرة بألوان مختلفة من النعيم في جنات متعددة الأشجار والثمار، تزيدها العيون الجارية فيها بالماء جمالًا وبهجة، وتزيد المتقين نعيمًا ومتعة، ويتلقون هذا النعيم راضين حامدين - وكيف لا يرضون وكل ما آتاهم حسن مرضى يُتَلقى بحسن القبول، وعظيم الرضا والشكر، فإن عملهم الصالح في الدنيا لا يساوى شيئًا بجانب هذا النعيم.
هذه الآيات بيان لأعمالهم الصالحة، وتعداد لصور من إحسانهم. أي: ومن جملة إحسانهم أنهم كانوا يسهرون ليلهم في العبادة، ولا ينامون من الليل إلا قليلًا، ومع طول السهر في العبادة وقلة الهجوع كانوا يداومون الاستغفار في السحر قبيل الفجر، ويحرصون على ذلك فلا يفوتهم. قال الحسن: مدّوا الصلاة إلى الأسحار، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار.