هذه الآية مبينة حكم من نسب الزنى إِلى غيره، بعد بيان حكم من فعله، والآية كما في صحيح البخاري نزلت في عويمر بن أمية بعد ما قذف زوجته خولة بنت عاصم بشريك ابن سمحاء، وقيل: نزلت بسبب قصة الإفك.
والرمى في أَصل اللغة: يستعمل في قذف الشيء باليد ونحوها، تقول: رمى الحجر أَو السَّهم، أي: قذفه، ثم استعمل مجازًا في السب والشتم، والمراد منه هنا السب بالزنى بقرينة اشتراط شهود أَربعة، وذلك خاص بالزنى، والمراد بالمحصنات هنا النساءُ العفيفات، وقد قرئت بفتح الصاد وبكسرها، فقراءَة الفتح على معنى اللاتى أحصنهن أَهلهن، وقراءَة الكسر على معنى اللاتي نشأْن في حصانة وعفة، يقال: أحصنت المرأة أَي: عفت، وأحصنها أهلها أَي: ربَّوها على العفة، فالفعل لازم ومتعد، واقتصار الآية على النساء العفيفات لا يمنع من إيجاب حد القذف على من يقذف الرجال الأعفاءَ باللواط فيما بينهم أَو بالزنى وهذا أمر داخل في الآية بالمعنى، وحكم مجمع عليه، فإنه لا وجه لتخصيص النساء بهذا الحكم دون الرجال، فالإِسلام حريص على كرامة الإنسان بنوعيه، والحكمة في التصريح بالنساء في الآية أَن رميهن بالفاحشة أَكثر وأشنع (١)، وأَن النفوس تسرع إلى تصديق القذف فيهن أَكثر، فلهذا خصمهن بالذكر في الآية مبالغة في حماية أعراضهن، ومثل ذلك أَن الله تعالى نص على حرمة لحم الخنزير، وقد دخل في حكمه الشحم والغضاريف، لأَنه لا وجه لتخصيص لحمه بالحرمة دون شحمه وغضاريفه.
ويقول ابن كثير: إِذا كان المقذوف رجلًا فكذلك يجلد قاذفه، وليس في هذا نزاع بين العلماء.
ويثبت الإحصان، أَي: العفة في المقذوت، بإقرار القاذف بها، أو بشهادة رجلين أَو رجل وامرأتين، ويشترط فيمن قذفه لكي يقام عليه حد القذف أن يكون بالغًا عاقلًا