المعنى: واضرب أيها النبي مثلا للمؤْمنين الذين يدعون وبهم بالغداة والعشي مع مكابدتهم ألم الحرمان والفقر، وللكافرين الذين استنكفوا عن مجالسة الفقراء من المؤْمنين. وجحدوا فضل معطِيهم مع تقلبهم في نعيمه، لتبين بهذا المثل للفريقين ولكل من يتعزز بالدنيا ويغترّ بها - لتبيّن - حالًا فيها عبرة للمعتبرين، وتبصرة للمستبصرين.
قال الكلبى: نزلت هذه الآية في أخوين مخزوميين من أهل مكة أحدهما مؤْمن وهو مسلمة عبد الله بن عبد الأسود. والآخر كافر هو الأسود بن عبد الأسود. وعن ابن عباس أنهما ابنا ملك من بني إِسرائيل، أنفق أَحدهما ماله في سبيل الله تعالى وكفر الآخر واشتغل بزينة الدنيا وتنمية ماله. ونظرا لهذا الخلاف نرى عدم التقيد برواية منهما، فكما يحتمل أن القصة واقعية يعلم الله صاحبيها، يحتمل أيضًا أَن تكون مثلا ضربه الله لهذه الأمة لتزهد في الدنيا وترغب في الآخرة، وجعله زجرا وإنذارا - ذكره الماوردي.
أَي جعل الله لأحد الرجلين - وهو الكافر - بستانيْنِ من كروم طابت أصولها، وتنوعت ثمارها مذاقا ولونًا، وكلام الراغب يشير إِلى أَن العنب مشترك بين الثمر والكرم وهو شجرها وفق إطلاق اللغة، وقد أَفادت الآية الكريمة أن النخل محيط بالجنتين من جميع جهاتهما لتصون الأعناب وتحفظها، وأن الزرع وسطها، لتكونا جامعتين للفواكه والأقوات على هذه الصورة الرائعة والوضع الأنيق.
المعنى أَن كل واحدة من الجنتين أَعطت ثمرها تامًّا كاملًا طيبًا، ولم تنقص منه شيئًا، فليست كسائر البساتين، فإنها غالبا يكثر ثمرها في عام ويقل في آخر بسبب ما يحدث