ولله من النعم على عباده السفن التي تجرى في البحر، تحمل الناس وما يتَّجرون فيه من قطر إلى قطر، ومن مكان إلى مكان، وهذه السفن منشآت - أي: مرفوعات كالجبال فوق ظهر الماء بقدرته - تعالى - فهي ملك له - جل وعلا - فهو الذي خلق ما صنعت منه، وهو الذي يجريها فوق سطح الماء ويحفظها من الغرق في رحلاتها الطويلة والقصيرة، فيسلم أهلها وتجارتهم، فهي لله خلقًا وملكًا أو تصرفا، ولا يمنع ذلك ملك الناس لها، فهو الذي أرشدهم إلى كيفية صناعتها وإجرائها في مختلف البحار، فكل أمورها ترجع إلى الله - تعالى - فهي وأهلها لله رب العالمين، فبأى نعم الله في شأن السفن الجوارى تكذبان يا معشر الثقلين.
الضمير في عليها يرجع إلى الأرض التي وضعها الله للأنام، والمراد من وجه الله: ذاته - جل وعلا - فإضافة لفظ "وجه" إلى لفظ "رب" إضافة بيانية، فكأنه قيل: ويبقى ربك، واستعمال الوجه بمعنى الذات مجاز مرسل، ومثل ذلك شائع في لغة العرب، وهذا هو تفسير الخلف، مَنْعًا لاعتقاد أن لله وجهًا يشبه وجه الإنسان، وأنه جزءٌ من ذاته، فإن ذلك كفر، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.
أما السلف فيقولون: إن لله وجهًا لا كوجه الإنسان، فالمماثلة للخالق ممنوعة، وذهب بعض العلماء إلى تأويلات أخرى، وحسب القارئ ما تقدم.
وجلالُ الله عَظَمته، وإكرامه - تعالى - هو تنزيهه عمَّا لا يليق به من الشرك وسواه من صفات النقص، كما تقول: أنا أكرمك عن كذا أي: أنزهك عنه، والله - تعالى - متصف بهما، سواءٌ أجلَّه ونزهه الناس، أم لم يفعلوا ذلك.
والله - تعالى - يعدد في هذه السورة آلاءَه ونعمه، فما وجه ذكر الفناء للخلق في آلائه - تعالى -؟ والجواب: أن الفناءَ باب للبقاء والحياة الأبدية في جنة عرضها السموات