لما كان أهل مكة مستغرقين في الكفر معرضين عن الإيمان وما جاء به الرسول ﷺ ناسب تذكيرهم بما جرى لعادٍ، وقد كانوا أكثر أموالا وأشد قوة وأعظم جاهًا منهم؛ فسلط الله عليهم العذاب العظيم بسبب شركهم وطغيانهم، وفي ذلك تسلية للنبي ﷺ عن تكذيب من كذبه من قومه، وإنذارٌ لقريش لكفرهم.
والمعنى: واذكر - أيها النبي - لهؤلاء المشركين قصة هود ﵇ وقت إنذاره قومه عادًا عاقبة الشرك - وهي العذاب العظيم - ليعتبروا بها، وقيل: أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ﵇ ليقتدى ويهون عليه تكذيب قومه له.
وكان قومه بالأحقاف وهي مساكنهم، وكانت رمالًا عظيمة مشرفة على البحر بأرض يقال لها: الشِّحْر، والشِّحر قريب من عدن، يقال: شحر عُمان، وهو ساحل البحر بين عُمَان وعدن، وقال ابن إسحاق: مساكنهم من عمان إلى حضر موت، أي: في الجنوب الشرقي من جزيرة العرب.
وبعض المنقبين في الزمن القريب يرى أن مساكنهم شرق العقبة، معتمدين على كتابات خطية عثروا عليها في خرائب معبد كشفوا عنه في جبل إرم، ووجدوا في جانب الجبل آثارا جاهلية قديمة، فرجحوا أن هذا المكان هو موضع إرم التي ذكرها القرآن الكريم (١) ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ أي: وقد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده، أي: واذكر زمان إنذار هود قومه بما أنذر به الرسل قبله وبعده، وهو