للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٥٤ - ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾:

انتقال من قصة قوم صالح إلى أخبار قوم لوط (ولوطا) منصوب بمضمر معطوف على (أَرسلنا) في صدر قصة صالح داخل معه في حيز القسم أَي: وأرسلنا لوطا، وقيل: إن (لوطا) منصوب بـ (اذكر) محذوفا.

وقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ ظرف للإرسال، على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الإرسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال.

والمعنى: وأَرسلنا لوطا إلى قومه لائما موبخا حين قال لهم: أتأْتون هذه الفعلة النكراء المتناهية في القبح والشناعة، وأنتم تعلمون مبلغ قبحها وشناعة جرمها وارتكابها؟ أَو وأنتم تعلمون عاقبة العصاة. ونهاية أمرهم؟ وقيل: تبصرون من الإبصار، بمعنى النظر بالعيون، والمعنى: تفعلونها جهارا علانية وأنتم ينظر بعضكم إلى بعض، والمراد بالاستفهام في قوله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ استبعاد فعلها، واستنكار ارتكابها.

٥٥ - ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾: تكرار للكلام عن فاحشتهم لمزيد الإنكار، وبيان حقيقتها بطريق التصريح بعد الإبهام، وتصدير الجملة بحرفي التأكيد للإيذان بأَن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد؛ لكمال شناعته وفظاعة مجانته، فلهذا احتاج إلى تأْكيد وقوعه، وإعادة همزة الاستفهام الإِنكارى معه.

والتعبير بالرجال دون الذكور لمزيد التقبيح، والإشعار بقلب الحقيقة، وتنكيس الطبيعة، وتعليل الإتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح، وتقريع على تحكم الشهوة، وبهيمية الطبع، وقوله تعالى: ﴿مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾ تنبيه إلى مجاوزة الجنس المخصص للشهوة، المخلوق للاستمتاع، انقيادًا للنزعات الفاسدة، وقوله تعالى: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾: معناه؛ بل أنتم قوم تفعلون فعل الجهلاءِ الذين لا يقدرون العاقبة، والسفهاء الممعنين في الفحش والمجانة، وفيه مزيد من التوبيخ بالإضراب الذي يدل على أنهم أهل جهل يعيشون فيه أيامهم ويتجدد معهم حياتهم.