لما عاب المنافقون رسول الله ﷺ في قسم الصدقات بقولهم: أَترون إِلى صاحبكم يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أَنه يعدل، جاءَ القرآن الكريم يقرر صواب طريقته وأَنه أَعطاها لمن يستحقونها، ولم يأْخذ لنفسه شيئًا منها فقال تعالى:
أَي إِنما تصرف الصدقات للفقراءِ والمساكين، والمراد بالصدقات ما يشمل أَنواع البر المختلفة من زكاة مفروضة، أَو صدقة متطوع بها، والفقير والمسكين كلاهما لا يجد ما يكفيه، وهل الفقير أَسوأُ حالا من المسكين أَو العكس خلاف بين الفقهاءِ.
﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾: أَي وتصرف الصدقات أَيضا للذين يعملون في جمعها وتحصيلها، ويقومون بكتابة ما أَعطاه أَرباب الأَموال، وجمع المستحقين لها وتوزيعها عليهم.
﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾: وهم أَصناف، فمنهم قوم أَسلموا ولم يستقر الإِسلام بعد في قلوبهم، فكان رسول ﷺ يؤلف قلوبهم بإِجزال العطاءِ لهم، ومنهم أَشراف من العرب كان الرسول يتأَلفهم ليسلموا، ومنهم آخرون أَقوياءُ الإِيمان كانوا يُعطون أَملا في إِسلام نظرائهم، فينتصر، بهم الإِسلام.
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾: أَي ويصرف منها في فك الرقاب وذلك بإِعانة المكاتبين بشئ منها على أداء مال الكتابة وتخليص الأَسارى من أَيدى الكفار، وشراءِ الأَرقاءِ وعتقهم، لتحرير رقاب الجميع من ربقة الرق والعبودية. ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾: وهم الذين استدانوا في غير معصية، فيعطون منها ليتمكنوا من أَداءِ ديونهم إِذا لم يكن لهم مال يفى بديونهم، أَو هم الذين غرموا في سبيل الإِصلاح بين الناس وإِن كانوا أَغنياء.
﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾: أَي ويصرف منها للغزاة القائمين بالجهاد، ليستعينوا بها على القتال في سبيل نصرة الدين.
﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾: وهو المسافر الذي قطعه السفر عن أَهله وماله، فيأْخذ منها ما يستعين به على الوصول إِلى غرضه.
هؤلاءِ الثمانية تصرف لهم الصدقات وتختص بهم وحدهم، لا يعطى منها أَحد سواهم، وإِذا كانت الصدقات لا تعطى لغيرهم، فما لهؤلاءِ الذين لا يستحقون شيئًا منها يعيبون قاسمها ويتكلمون في شأْنه وشأْنها بما لا يليق.