للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أباح الإِسلام الكذب الأَبيض في سبيل الإِصلاح، مع أَن الكذب - بصفة عامة - حرام، لأَن هذا كذب غير ضار بأَحد. وهو مؤَدٍّ إلى مصلحة مؤَكدة، كأَن تقول لِكِلا الخصمين عن صاحبه: سمعته يثنى عليك ويصفك بطيب النية، وحسن الطوية والمروءَة، ونحو ذلك مما يلين قلب الخصم نحو أخيه. في حين أَنك لم تسمع ذلك منه.

وفي ذلك يروى حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه - أم كلثوم بنت عقبة - أَنها أخبرته أَنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلحُ بين الناس، فينمي خيرا أَو يقول خيرًا - وقالت: لم أَسمعه يرخص في شىءٍ مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب، والإِصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأَته، وحديث المرأَة زوجها" (١).

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}:

أي: ومن يَتناجَ ويتحدث مع غيره - في خَلوة - بالصدقة والمعروف والإِصلاح بين الناس، ويرشده إِليها وينصحه بها - فسوف يعطيه الله على ذلك ثوابا جزيلا: يناسب عظمة المنعم.

وإِذا كان هذا ثواب التناجي بها، والإِرشاد إليها، فثواب فعلها أعظم.

أَما أَن يأمر بها الإنسان ولا يفعلها، فذلك جرمه عظيم، ووعيده شديد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (٢).

١١٥ - {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}:

المعنى: ومن يخالف الرسول فيما أَمَر به عن الله تعالى أو نَهَى عنه، ويتبع غير طريق المؤْمنين في عقيدته أَو عمله، بأَن يكفر أَو يترك الواجباتِ، أو يفعل المنهياتِ - مِن بعد ما ظهر له ما يهديه من أَدلة اليقين واحكمام الدين - نتركْهُ وما تولاه وانصرف إليه،


(١) رواه أصحاب الصحاح سوى ابن ماجه، واللفظ للإمام أحمد.
(٢) سورة الصف، الآيتان: ٢، ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>