أخرج البخاري، عن زيد بن ثابت، قال:"أَمْلى عَليَّ رَسولُ اللهِ ﷺ: (لَا يَستَوِى القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ) قال: فجاءَه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليَّ، فقال: يا رسول الله: لو أَستطيع الجهاد لجاهدت - وكان رجلًا أَعمى - فأنزل الله ﵎، على رسوله ﷺ وفخذه على فخذي، فثقلت عَلَيَّ، حتى خِفت أَن ترض فخذى - ثم سُرِّي عنه. فأَنزل الله ﷿ ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ ".
وفي رواية البراء بن عازب. فأنزل الله ﷿ ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾.
أي: لا يستوي المتخلفون من المؤمنين الأصحاءِ، الذين قعدوا عن الخروج للجهاد، بدون عذر من مرض أو غير ذلك: من فقد السلاح، وما يُحْمَلون عليه - لا يستوي هؤلاء والذين خرجوا للجهاد في سبيل الله: بأموالهم وأنفسهم، في الأجر والثواب، وعلوِّ الدرجة عند الله تعالي.
وكيف يستوي من تخلَّف - بدون أعذار - مع الذين أَنفقوا أموالهم فيما يُضعِف قوةَ الكافرين، ويذهب شوكَتَهُم، ويوهِن كيدَهم، وبذلوا في القتال أَرواحهم: راضين صابرين؛ لتكون كلمةُ الله هي العليا، وكلمةُ الذين كفورا السفلى؟!
ولما بين الله تعالى، أن المجاهِدِين والقاعِدين لا يستويان .. ولما كان عدم المساواة يحتمل الزيادة ويحتمل النقصان - دفع النصُّ القرآني احتمال النقصان، بقوله تعالى:
فالمراد بهذا: تفصيلُ ما بين الفريقين من التفاضل، حيث بين الله بذلك أَن بَذلَ الأَموالِ والأَنفس في سبيل الله، لإِعلاء كلمة الحق، ابتغاءَ مرضاة الله، سببٌ في تفضيل المجاهدين من المؤمنين على الذين قعدوا عن الجهاد، وتخلفوا عن البذل والإِنفاق بغير عذر، درجةً عظيمةً، لا يعلم قدرها إِلا الله.
﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾:
أي وكلا من فريقي المجاهدين والقاعدين من المؤمنين، وعده الله المثوبة الحسنى، وهي الجنة. لتحقُّقِ الإِيمانِ الصادق فيهما.