للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٤٧ - ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾:

بيّن الله - سبحانه - في الآية السابقة أنه تعالى يهدى إلى آياته البينات من يشاء، وهم أَولو البصائر النيرة، فيهتدون بهديه إلى الصراط المستقيم، وبين في هذه الآية وما بعدها من لم يشأ الله هدايتهم من ذوى البصائر المظلمة، والأفكار الضالة من المنافقين.

ويقول الطبرى وغيره في سبب نزول هذه الآية وما بعدها: إن رجلا من المنافقين اسمه: (بشر) كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أرض، فدعاه اليهودى إلى التحاكم عند رسول الله وكان اليهودى محقًّا والمنافق مبطلا، فأبى المنافق وقال. إن محمدا يحيف علينا، فلنُحَكِّم (كعب بن الأشرف) فنزلت فيه (١).

وقال الضحاك: نزلت في (المغيرة بن وائل) كان بينه وبين على - كرم الله وجهه - خصومة في أرض، فدعاه عليّ أن يتحاكما إلى رسول الله فقال، أما محمد فلست آتيه؛ فإنه يبغضنى وأنا أخاف أن يحيف علي، فنزلت (٢).

وهذه الآية وإن نزلت في قصة واحد من المنافقين (٣)، لكنهم لما كانوا جميعًا على مذهب واحد من النفاق، حيث كانوا يظهرون الإيمان والطاعة، ويبطنون الكفر والمخالفة - لما كانوا جميعًا كذلك - حكى الله نفاقهم بصيغة الجمع بقوله: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا﴾ وختم الآية بقوله: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾.

والمعنى الإجمالى للآية، ويقول المنافقون بألسنتهم: صدقنا بالله وبالرسول وأطعنا، مظهرين بذلك ولاءَهم لله ولرسوله، ثم ينصرف فريق منهم من بعد قولهم هذا معرضين عما يقتضيه الإيمان من الالتزام بشريعة الله والتخلق بأخلاق المؤمنين، وما هؤلاء المنافقون بالمصدقين المخلصين، فقلوبهم مخالفة لألسنتهم، وما قالوه كان رياءً ونفاقًا لجرِّ المنافع ودفع المضار.


(١) نقله القرطبي عن الطبري.
(٢) مختصر من الآلوسى.
(٣) على اختلاف الروايتين.