للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٤٢ - ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا … ﴾ الآية.

الآية عطف على مقدر. أَي وقع بهذا الكافر ما خوَّفَهُ منه صاحبه المؤمن ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ بإهلاك جنته وما فيها من نخيل وأعناب وزروع. والظاهر أن ذلك كان ليلًا لقوله سبحانه:

﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا﴾ (١) أي فأصبح يضرب باطن إحدى يديه على ظاهر الآخرى، ثم يعكس صنيعه ويكرره مرارًا ندمًا وحسرة على ما أنفق في عمارتها من مال وما بذل في تنسيقها من جهد، وما علق على بقائها الدائم من أَمل حيث كان يقول: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ ويفسر أبو حيان تقليبه كفيه بأنه يبدى باطن كلتيهما، ثم يعكس ليبْدو ظاهرهما، ويكرر ذلك من شدة الندم.

فَعَلَ ذلك حين رآها ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾: أي حين رأَى أشجار الكروم ساقطة على أعمدتها التي تصنع لحملها حفاظًا عليها وذلك لسقوط تلك الأعمدة لما أصاب الجنة من عذاب السماء الذي جعلها صعيدا زلقا.

وذِكْرُ هلاك الكروم مُغْن عن ذكر هلاك النخيل والزروع لأنها حيث هلكت وهي على عروش تسندها وتقويها. فهلاك غيرها بالطريق الأولى.

﴿وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾: أي يا ليتنى عرفت نعم الله عليّ وعرفت أنها كانت بقدرته فلم أُشرك به، وكأنه تذكر موعظة أَخيه له. لمَّا أبصر ما نزل بجنته، وعلم أن هلاكهما من قبل الشرك وبسببه، لذلك تمنى لو لم يكن مشركا فلم يصبه ما أَصابه. وقيل هذا القول منه توبةٌ عن الشرك. وندمٌ على ما وقع منه. فيكون استحداثا للإيمان. لأن ندمه على الشرك فيما مضى. يشعر بأنه آمن في الحال. فكأنه قال آمنت الآن وليت ذلك كان أولًا.

٤٣ - ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ … ﴾ الآية.

المعنى: ولم يكن لهذا الكافر ولد ولا عشيرة ممن افتخر بهم واستعز، يقدرون على


(١) هذا إذا لم تكن أصبح بمعنى صار، فإن كانت كذلك فلا تشير الآية إلى زمن الهلاك حينئذ.