أَي: تعالى الله الذي تحت قدرته وطوع مشيئته ملك السموات والأَرض، يدبره ويزيد فيه بحكمته وتعاظم عن كل ما سواه في ذاته وفي صفاته وفي أَفعاله، وتقدس وتنزه عن الشريك والنظر في إِبداع هذا الملك العظيم، فكل ما سوى الله مخلوق له - جل وعلا -، وهو على كل شيءٍ لم يوجد من الممكنات عظيم القدرة على إِيجاده وتحقيقه (١).
هذه الآية استئناف لتفصيل بعض أَحكام الملك وآثار القدرة، وبيان ابتنائهما على قوانين الحِكَم واستتباعهما لغايات جليلة.
والموصول هنا (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) بدل من الموصول السابق (الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)، وصلته كصلته في الشهادة بتعالية ﷿.
وجوز الطبرسي كونه خبرًا لمبتدأ محذوف، أَي: هو الذي.
وبين الله - تعالى - الحكمة في خلقهما بقوله:(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) أَي: ليعاملكم معاملة المختبر ليظهر أَيكم أَصواب عملًا وأَخلصه، فيجازيكم بمراتب مختلفة من الجزاءِ حسب تفاوت أَعمالكم، وهو عليم أَزلا بما سوف يحصل منكم باختياركم: والمراد من العمل ما يشمل عمل القلب والجوارح، ولذا قال ﷺ في الآية:(أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وأَورعكم عن محارم لله - تعالى - وأَسرع في طاعة الله ﷿.
وعلق عليه الآلوسي بقوله: أَي: أَيكم أَتم فهما لما يصدر عن جنات الله - تعالى - وأَكمل لما يؤخذ من خطابه - سبحانه -.
وأَجيب بأَن المقصد الأَصلي للابتلاءِ هو ظهور كمال إِحسان المحسنين مع تحقيق أَصل الإِيمان والطاعة في الباقين أَيضًا -، لكمال تعاضد الموجبات له، وأَما العمل القبيح فبِمعْزل
(١) هكذا فسر صاحب الكشاف جملة: (وهو على كل شيء قدير) لتتضمن معنى جديدا غير ما تضمنه صدر الآية.