أَي وبينا لموسى في التوراة التي أَنزلناها عليه مكتوبة في الأَلواح والصحف من كل شيءٍ يحتاج إِليه بنو إِسرائيل لإِصلاح شئونهم في الدين والدنيا من المواعظ وتفصيل الأَحكام وبيان الحلال والحرام والحسن والقبيح وغير ذلك من أَنواع الهداية والإِرشاد.
أَي وبينا لموسى ﵇ كل شيءٍ في الأَلواح وقلنا له: فتقبلها يا موسى بصدق وتناولها بحرصٍ وعزيمة كما يفعل أُولو العزم من الرسل وأْمر بني إِسرائيل أَن يمتثلوا مواعظها، ويتبعوا أَحكامها وشرائعها البالغة غاية الحسن والكمال بالنسبة لهم: إِذ فتحت أَمامهم أَبواب سعادة الدنيا والآخرة.
ويلاحظ أَن التوراة الأَصلية فقدت في الغزو البابلى، أَما توراة اليهود التي بأَيديهم فهى من صنعهم وتأْليفهم ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾:
أَي: سأُرى قومك - بنى إِسرائيل - ديار الهالكين، من عاد وثمود وأَمثالهم من الذين خرجوا عن طاعة الله وعصوا أَمر ربهم.
والحكمة في ذلك بعثهم على الجد والاجتهاد في امتثال ما أُمروا به، وتحذيرهم من الكفر والعصيان حتى لا يحل بهم ما حل بأُولئك الذين مردوا على الفسوق والطغيان، لأَن رؤية الديار خالية من أَهلها، خاوية على عروشها تدعو إِلى مزيد من الحذر والاعتبار،
وقيل معنى: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾: سأُورثكم حكم الوثنيين في تلك الديار التي هاجرتم إِليها، بدليل قراءة:"سَأُورِثُكَم دَارَ الفَاسِقِينَ". وقيل: المراد بدار الفاسقين جهنم فإِنها دارهم في الآخرة. وإراءتهم إِياها كناية عن إِدخالهم فيها، إِن عصوا التوراة.
وخوطب قوم موسى ﵇ بقوله: - سأُريكم - دون قوله - سأُريهم - التفاتًا إِليهم بعد الغيبة، ليكون أَبلغ في حملهم على الطاعة والامتثال وتخويفهم من اتباع طريق الظالمين.