وقد تضمنت هذه الآية أمرين:(أَحدهما) أن من أَذن لهم النبي ﷺ بعدم الخروج من المنافقين كانوا دعاة فتنة، وأَنهم لو خرجوا فيهم زادوهم خبالا، وإِذا كان أَمرهم كذلك فلماذا عاتب الله رسوله على الإِذن لهم بالتخلف مع أَن تخلفهم فيه مصلحة للجيش، والجواب: أَنهم كانوا سيتخلفون عن الغزوة قطعًا، وقد تآمروا على ذلك، إِذ قال بعضهم لبعض: ﴿اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ وكان الأَولى أَن لا يأْذن النبي ﷺ لهم ليكون قعودهم بغير إِذن، حتى يظهر نفاقهم بين المسلمين من أَول الأَمر، فلا يقدروا على مخالطتهم والسعى فيما بينهم بالأَراجيف، ولا يتسنى لهم التمتع بالعيش إِلى أَن يظهر حالهم بنزول الآيات التي كشفتهم.
(والأَمر الثاني) الذي تضمنته الآية: أَن الجيش الذي سافر لغزوة تبوك كان فيه بعض ضعاف الإِيمان بدليل وصفهم بقوله تعالى: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ فلماذا أَخذهم النبي ﷺ معه مع خطورتهم على الجنود.
والجواب: أَنهم لم يكونوا في كيفية الفساد وكمية العدد بحيث يخل مكانهم بين المؤْمنين بأَمر الجهاد، وكأَن وجودهم فيه منفعة تكثير سواد المسلمين، على أَن الرسول ﷺ معذور في استصحابهم فإِنه لم يكن يعلم بحالهم قبل أَن يكشفهم الله تعالى له فهو الذي يعلم أَسرار القلوب.
﴿ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ﴾: طلبوا تفريق المسلمين. ﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾: اجتهدوا في استعراضها لتدبير المكايد من أَجلك. ﴿وَلَا تَفْتِنِّي﴾: ولا توقعنى في المعصية بتخلُّفِى من غير إِذن.