بعد أَن بين القرآن الكريم - في الآيات السابقة - تعنت اليهود فيما سأَلوا، والرد على هذا التعنت، جاءَت هذه الآيات تصف من كفروا ومنعوا غيرهم من اتباع الهدى، بالإِيغال في الضلال، والبعد عن سبيل الله، فقال تعالى:
أَي: إِن الذين كفروا بالله، وأَنكروا نبوة محمَّد ﷺ، وكذَّبوا بالقرآن ومنعوا الناس من الدخول في الإِسلام، واتباع طريق الهدى والفلاح بإِلقاءِ الشبهات في قلوبهم؛ كقول اليهود مثلا: لو كان محمَّد رسولًا حقًّا، لأَتى بكتابه دَفعة واحدة من السماءِ، كما نزلت التوراة على موسى.
(قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا):
أَي: قد بلغوا في البعد عن الطريق المستقيم، أَقصى النهايات إِذ لا ضلال أَشد وأَقبحُ من ضلال مَن فَهِم أَنه على الحق، وأَضلَّ غيره عن الصراط المستقيم.
ومن كفر فقد بَعُدَ عن الحق، ومن أَضل غيره فقد زاد بعدُه، وكلما استمر على الِإضلال وإِغواء المهتدين، وإِثارة الشبهات حول دينهم - فقد أَوغل في البعد عن الطريق السويّ.
والمراد بالذين كفروا: اليهود أَو ما هو أَعمّ.
وقد جمعت الآية - في التعريف بهم - بين الوصف بالكفر، والصد عن سبيل الله تعالى وكل منهما - بانفراده - يستلزم اتصافهم بالضلال؛ للِإشارة إِلى عظم جرمهم وعمق ضلالهم.