للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٣١ - ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾: بعد أَن صورت الآيات السابقة مشهدًا رهيبًا من مشاهد القيامة يهيئُ النفوس للتوبة والإِنابة إلى الله، جاءَت هذه الآية وما بعدها تناقش المشركين في قضية الأُلوهية أَهم القضايا الدينية، وتضعهم أَمام البراهين العقلية الواضحة، وتحذرهم وتنذرهم بعد ذلك من الخروج عن دائرة الحق، واعلم أَن المشركين يؤمنون في قرارة نفوسهم بخالق واحد يصرف الأُمور وهوالله تعالى، ولكنهم يتخذون إِليه الشفعاءَ ليقربوهم إِليه زلفى، وقد أَمر الله رسوله أَن يسأَلهم سؤال إِفحام وإِلزام، ليعدلوا عما هم فيه من الإِشراك في العبادة فقال له:

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾: وهو سؤال يتناول أُمورًا حسية تتعلق بكيانكم وحياتكم اليومية وهو الرزق المتجدد من السماءِ بإِنزال المطر، ومن الأرض بإِنبات النباتات وخلق الحيوان وتربيته، والإمداد بأَنواع المعادن المختلفة والمياه الجوفية، وما تستخرجونه من البحر من أَسماك وخيرات، وما يدرج على الأَرض أو يحلق في السماءِ من أَنواع الطيور وغير ذلك من سائر الأَرزاق، فلا شك أن هذا الرزق بأَنواعه هو من عند الله تكريمًا لكم وحفظًا لحياتكم - كما سيجئُ بيانه في آخر الآية:

﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾: هذا هو السؤال الثاني الذي أَمر الله رسوله أَن يوجهه إلى المشركين، أَي أَخبرونى من يملك أَداة السمع وما أُعد فيها من أَسباب إِدراك المسموعات؟ ومن يملك أَداة البصر، وما هيئت به لإِدراك المبصرات؟

وقد جاءَ لفظ السمع مفردًا ولفظ الأَبصار جمعًا لأَن السمع يتناول نوعًا واحدًا هو الأَصوات، أَما الأَبصار فتتناول الأحجام والأَبعاد والأَلوان والأَشكال، والسمعُ والأَبصارُ يدركان الغالبية العظمى من المحسات.

﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾: هذا هو السؤال الثالث، أَي ومن ذا الذي يملك الحياة والموت في العالم كله فيخرج الأَحياءَ والأموات بعضها من بعض فيما تعرفون من المخلوقات التي تحدث أَو تموت، وذلك كالإنسان خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون وهو ميت ثم سواه ونفخ فيه من روحه فدبت فيه الحياة، فهذا