للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلق عليه الآلوسي بقوله: وهذا صريح في ثبوت تكليف كل أَحد بالإيمان بعد وجود دعوة أحد من الرسل عليهم السلام وإِن لم يكن رسولا إليه، وبالغ بعضهم فى اعتماد ذلك حتى قال: فمن بلغته دعوة أَحدٍ من الرسل بوجه من الوجوه، فقصر فى البحث عنها فهو كافر من أَهل النار، فلا تغتر بقول كثير من الناس بنجاة أَهل الفترة مع إخباره صلى الله عليه وسلم بأن آباءَهم الذين مضوا فى الجاهلية فى النار.

ثم قال الآلوسي (١): والذى يميل إِليه القلب أَن العقل حجة قبل ورود الشرع فى معرفة الصانع تعالى ووجدته وتنزهه عن الولد للأدلة السابقة، أما إرسال الرسل وإنزال الكتب فمن رحمته تعالى، أو أنَّ ذلك لبيان ما لا ينال بالعقول من أنواع العبادات والمعاملات والحدود، فلا يرد أنه لو كان العقل حجة ما أرسل الله تعالى رسولا اكتفاءً بالعقل، وقيل في جواب هذا الإِشكال: لما كان أمر البعث والجزاء. مما يَشُقُّ على العقل وحده إلا بعظيم تأمل فيه حرج يعذر الإنسان بمثله ولا إيمان بدونه فلهذا بعث الله الرسل عليهم السلام لبيان ما به تتمة الدين، لا لنفس معرفة الخالق فإنها تنال ببداهة العقول، فالبعْرة تدل على البعير، والأثر على المسير، فسماءٌ ذات أبراج وأَرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير: اهـ. بتصرف.

[رأي الإمام الغزالي]

ثم حكى الآلوسي رأي الإمام الغزالي في ذلك إذ قال (٢): الناس بعد بعثته صلى الله عليه وسلم أَصناف، صنف لم تبلغهم دعوته ولم يسمعوا به أَصلا، فأُولئك مقطوع لهم بالجنة، وصنف بلغتهم دعوته وظهور المعجزة على يده وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والصفات الكريمة ولم يؤْمنوا به كالكفرة الذين بين ظهرانينا فأولئك مقطوع لهم بالنار، وصنف بلغتهم دعوته عليه السلام وسمعوا به بطريقة مشوهة لا تظهره على ما كان عليه من الكمال في أَمره كله، فهؤُلاء أَرجو لهم الجنة إن لم يؤْمنوا به: اهـ بتصرف.

وقد علق الآلوسي على هذا الرأي بقوله: ولعل القطع للأولين بالجنة، ورجاءها للآخرين إِذا كان هؤُلاء وأولئك مؤْمنين بالله تعالى، أما إذا كانوا غير مؤْمنين به فهم على الخلاف في أمرهم: اهـ بتصرف يسير.


(١) انظره في جـ ١٥ ص ٣٩ طبع منير.
(٢) المصدر السابق في آخره ص ٣٩ - ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>