نزلت سورة الرحمن بمكة عند الجمهور، وغيرهم يقول: إنها مدنية، ولكل من القولين رواته، وتسمى (عروس القرآن) كما أخرجه البيهقي عن علي - كرم الله وجهه - أن رسول الله ﷺ قال:"لكل شيءٍ عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن" ووجه مناسبتها لسورة - القمر - التي سبقتها، أنها مفصِّلة لما أُجمل في آخرها، قال الإِمام جلال الدين السيوطى: لمَّا قال - سبحانه - في آخر ما قبلها ﴿بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر﴾ ثم وصف - سبحانه - حال المجرمين في سقر وحال المتقين ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في هذا الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة والإشارة إلى شلتها، ثم وصف النار وأَهلها، ولذا قال سبحانه: ﴿يعرف المجرمون بسيماهم﴾ ولم يقل: الكافرون أو نحوه؛ لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ ثم وصف الجنة وأهلها، ولذا قال تعالى فيها: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ وذلك هو عين التقوى، ولم يقل: لمن آمن أو أطاع أو نحوه، لتوافق الألفاظ في التفصيل، ويعرف بما ذكر أن هذه السورة شرح لآخر السورة قبلها. اهـ.
وبالجملة فقد اشتملت كلتاهما على أحوال المؤمنين والكافرين في الدنيا، ومال أمرهم في الآخرة.
وتكرر في هذه السورة قوله - تعالى -: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ للتقرير بالنعم المختلفة المعدودة فكلما ذكر - سبحانه - نعمة أنعم بها، وبَّخ على التكذيب بها، كما يقول الرجل لغير: ألم أحسن إليك بأن خوَّلتك في الأموال، أَلم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا، فيحسن فيه التكرار لاختلاف ما يقرِّرُ به، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، قاله السيد المرتضى في كتابه (الدُّررُ والغُرَر) وذكر عديدًا من القصائد فيها مثل هذا