ولذا قال عقبه: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾، أي تركهم في ظلمات لايرى فيهاشئ. وإسناد إذهاب النور إلى الله، للإيذان بأنه إنما ذهب بأمر سماوى. كالمطر والهواء أو المبالغة في إذهابه.
ليس المراد: الاخبار بأنهم أُصيبوا بحقيقة الصمم والبكم والعمى، فقد كان لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق، وأبصار تنظر. ولكنهم- لما حجبوا أسماعهم عن معرفة الحقائق كانوا بمثابة الصم الذين لا يسمعون. ولمّا لم ينطقوا بالحق مخلصين، كانوا بمثابة البكم الذين لا يتكلمون. ولمَّا لم يتعرَّفوا الحقائق ببصائرهم، كانوا كالعمى الذين لا يبصرون. ولا سبيل لعودتهم إلى الحق؛ لإعراضهم عن استعمال هذه الحواس فيما خلقت لأجله. ولهذا قال سبحانه: ﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعونَ﴾ أَي لا يعودون إِلى الهدى، فقد أضاعوه، كما لا يعود إلى مقصده من بقى في ظلام لا يهتدى فيه إلى سبيل يوصله إليه.
ومن هذا البيان اتضح أن في الكلام تمثيل حالهم - في تعطيلهم لفطرتهم المتمكنة من من الهدى، وعدم انتفاعهم بالَايات والنذر، وعدم قطعهم بالحق - بحال. من فقد السمع والنطق والبصر، لتعطل مصادر النفع وعدم الانتفاع نى كل منهما.