للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قدر كثرته وقلته. وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين (١)، فيعلقه بالمسجد. وكان أهل الصُّفَّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو، فضربه بعصاه، فيسقط البسر والتمر فيأْكل. وكان ناس ممكن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف - والشيص: رديُّ التمر. والحسف: أَردأُ التمر - وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل الله :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ﴾:

قال: لو أن أحدكم أُهدي إليه مثل ما أَعْطَى، لم ياخُذْه إلا على إغماض أو حياءٍ، قال: فكنا بعد ذلك، يأتي أحدنا بصالح ما عنده".

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من جيِّد ما كسبتم وحلاله، وأنفقوا من طيبات ما أخرجه الله لكم من جوف الأرض، سواء كان من النبات، أم المعادن، أم غير ذلك. ولا تقصدوا بالرديء من أموالكم، أو الحرام منها لتُنْفِقُوا منه.

﴿وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ﴾:

أي أنكم لو أعطاكم أحد من هذا الصنف، ما قبلتموه ولا أخذتموه إلا تساهلا في بعض حقكم. فأعطوا الناس مثل ما تحبون أن تأخذوه.

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾:

فلا يدعوكم إلى الإنفاق في سبيله لحاجة أو عوز، ولكنه يأمركم به لمنفعتكم. وأنه مستحق للحمد لأنه هو الذي يرزقكم هذه الأموال، ويثيبكم على ما أنفقتموه منها.

﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)﴾.

[المفردات]

﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ﴾: يخوفكم من الفقر إذا أنفقتم شيئا من الأموال أو الثمرات.


(١) القنو في التمر، بمنزلة العنقود في العنب.