المقصود من أهل الكتاب هنا: من شنع في أمر القبلة، وهم اليهود سكان المدينة وأَضرابهم، وكذا من لم يشنع، وهم النصارى إذ لم يشتركوا معهم في الفتنة، لأنهم لم يكونوا من سكان المدينة، لا وقت التحويل ولا بعده، فهم جميعًا لا يتبعون قبلة الرسول ولو جاءَهم بكل آية. والتعبير عنهم جميعًا بأَهل الكتاب تلميحًا بلومهم، وإيذانًا بأَنه ينبغي لهم - وهم أهلُ كتابٍ سماوي - أن يعملوا بنصوصهِ، ولا يحرِّفوها أو يسيئوا تأويلها.
واللام في "ولئن": للتوكيد.
والمعنى: ولئن جئت يا محمد أهل الكتاب بكل حجة دالة على مشروعية التحويل، ما استجابوا لك، فلا تعلق آمالك باجتذابهم إليك، لأن ترك اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بحجة، بل هو مكابرة وعناد، على الرغم من علمهم بأنك على الحق.
﴿وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾: ولست أنت بمتبع قبلتهم بعدما جاءّك من الوحي، لأنك على الحق المبين، وهو حسم لأطماعهم في يذلك، ولن يتبع بعضهم قبلة بعض، فلا اليهود متجهون إلى قبلة النصارى، وهي المشرق، ولا النصارى متجهون إلى بيت المقدس، قبلة اليهود، مع أن المسيحية امتداد لليهودية، لتمسك كل فريق بقبلته، فكيف يعيبون على المسلمين انفرادهم عنهم بالقبلة، وهي حق من عند الله؟!
المعنى: ولئن اتبعت اليهود يا محمد في شان القبلة وغيرها، من بعد ما جاءَك من وحي الله المفيد للعلم واليقين، فإنك حينئذ من الظالمين، بترك علم الله إلى هوى هؤلاءُ المبطلين.
والخطاب وإن كان للنبي ﵊ فهو لأُمته عامة، تحذيرًا لهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (١)، وما أجدر المسلمين أن