للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روى البخاري عنه: أنه قال: "حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءَين أما أحدهما: فبثثته، وأما الآخر: فلو بثثته، قطع هذا البلعوم".

قال القرطبي: قال علماؤنا: وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة، وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل، إنما هو يتعلق بأمر الفتن، والنص على أعيان المرتدين والمنافقين، ونحو هذا، مما لا يتعلق بالبينات والهدى.

{مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ}.

المراد بالكتاب: جنس الكتاب الشامل للتوراة والإنجيل والقرآن.

فاليهود من أهل هذا الوعيد، لأنهم كتموا ما في كتابهم، من نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (١)، وكتموا عقوبة الرجم، وغير ذلك من الحق الذي أخفوه وهم يعلمون.

والنصارى كذلك لكتمانهم ما في كتابهم الإنجيل من البشارة برسول يأتي من بعد عيسى اسمه أحمد، وأنه أُمِّيُّ، وغير ذلك من نعوته، ونعوت أتباعه التي منها أنهم {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} (٢).

وكل من حبس علمًا عن الناس بينه الله في القرآن أو السنة، فهو كاتم لما بيَّنَهُ الله في الكتاب.

وينطبق هذا على كل علم نافع ضروري.

{أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}:

أي أولئك الكاتمون للعلم الذي بَيَّنَهُ الله في الكتاب، يطردهم الله من رحمته، ويسخط عليهم الخلق، فيزدرونهم وينبذونهم، ففي العلم حياة النفوس، وهو حق للناس يجب بذله.

١٦٠ - {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ... } الآية.


(١) سورة البقرة: ١٤٦.
(٢) سورة الفتح: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>