٥٧ - ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: جاءَت هذه الآية خطابًا لمشركى مكة، لاستمالتهم نحو الحق، بعد تحذيرهم من عاقبة ما هم عليه من الضلال بما تقدم من الآيات التي تنعى عليهم سوءَ عاقبتهم، ومع أن الخطاب فيها لأَهل مكة، ولكن الحكم فيها عام لكل من على شاكلتهم من الناس كما يدل عليه لفظ:(يَأيهَا النَّاسُ) حيث عبر به بدلا من يا أهل مكة، والمراد من الموعظة التي جاءَت من ربهم القرآن الكريم، وقد وصف في الآية بأَربعة أَوصاوف، وهي أَنه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.
والمعنى: يا أَيُّهَا الناس الذين أَعرضتم عن الإِسلام، قد جاءَكم من مالككم ومربيكم الرءُوف بكم، جاءَكم منه كتاب يدعوكم إلى الإِسلام، اجتمعت فيه أربع صفات أَولها: أَنه موعظة وتذكير منه لكم، فقد عرفكم بالخصال الكريمة، وحثكم عليها، وبيَّن لكم حسن عاقبتها، وكشف لكم عن الخصال الذميمة ونهاكم عنها، وبيَّن لكم سوءَ عاقبتها.
وثانيتها: أَنه شفاءٌ لما في الصدور فقد بيَّن الحق وأَقام عليه الدلائل والبراهين المطمئنة للنفوس الحائرة، وبيَّن الباطل وأَقام البراهين على بطلانه ووجوب تركه، ولم يترك مجالا لأمراض الصدور عند العقلاء المنصفين، فهو لهذا كله شاف لما في الصدور من الأَمراض كالجهل والشك والشرك والنفاق وغيرها من العقائد الفاسدة، فكأَنه نفس الشفاءِ.