للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما بين الله تعالى في الآية السابقة أنه بارك حول المسجد الأقصى، جاءَ بهاتين الآيتين ليبينَ بعض البركات الروحية هناك، حيث آتى موسى الكتاب لهداية بنى إسرائيل الذين أسكنهم الله الشام حول المسجد الأقصى، بعد هجرتهم من مصر وخروجهم من التيه، ثم إِن هاتين الآيتين وما بعدهما تعتبر تمهيدًا للحديث عن هداية القرآن للتى هي أقوم، ليعرف بنو إِسرائيل أَنهم لم ينصفوا أَنفسهم حين أَعرضوا عن الطريق الأقوم، والشريعة المثلى، بعدم إيمانهم بالقرآن ومن أنزل عليه القرآن، في حين أنه مَنَّ الله تعالى عليه بهذه المنزلة العلية، حيث أسرى به في بعض ليلة، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى ما وراء سدرة المنتهى، حيث أوحى الله تعالى إلى عبده ما أَوحى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾.

[معنى الآيتين]

وأَعطينا موسى الكتاب في ألواح مشتملة على التوراة، وجعلنا هذا الكتاب هاديًا لبني إسرائيل إلى الحق، بعد أَن دانوا في مصر بعبادة العجل الذي كان يعبده الفراعنة، وقد أَعطينا موسى هذا الكتاب لكيلا تتخذوا سواى ربا تكلُون إِليه أموركم يا ذرية من حملناهم في السفينة مع نوح، وأنجيناهم من الغرق، إن نوحًا كان عبدًا، شكورًا لنا، فلم يتخذ ربا سوانا، وكذا من حملناهم في السفبنه معه، فلهذا حفظناهم من الطوفان وأغرقنا سواهم، فكونوا يا بني إسرائيل على سنة من أنجيناهم من الغرق من أَهل التوحيد، لتكونوا بمنجاةٍ من عقوبة أهل الشرك.

وفي التعبير عن بني إسرائيل، بذرية من حملنا مع نوح، تذكير بفائدة التوحيد وأَثره في الدنيا، وتحذير في الشرك وعقوبته، كما أن فيه إشارة إلى أن غيره تعالى من الوكلاء والأرباب المزعومة، لا تستطيع أَن تأتي بمثل هذه الآية الكبرى التي تتمثل في الطوفان العالي لإغراق من لم يعبدها، وفي السفينة لإنجاء من عبدها، فهي أحقر من أَن تهلك أَو تنجى ذبابة، فسبحان الكبير المتعال الذي ينجي المؤمنين ويهلك الكافرين، بما لا يتصوره البشر ولا تطيق مثله جميع القوى والقدر.

وأجاز بعض العلماء عود الضمير في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ إلى موسى ، تعليلا لإيتائه الكتاب، فكأنه قيل وآتينا موسى الكتاب هداية لقومه؛