أَي ثم رددنا لكم الدولة والغلبة ورجعناها لكم على من غلبوكم وتسلطوا عليكم وذلك بعد أَن صلحت أحوالكم واستقامت أموركم، واتحدت كلمتكم، وعملتم بنصائح أَنبيائكم، وأمددناكم بأموال كثيرة بعد ما نهبت أَموالكم، وأمددناكم ببنين بعد ما سبيت أولادكم، وجعلناكم أَكثر رجالا ينفرون معكم للقتال، بعد ما قل رجالكم الذائدون عنكم، فاستطعتم بما أمددناكم به من هذه النعم، أن تستردوا حريتكم وتعود إِليكم دولتكم، وينتهى استعباد أعدائكم لكم.
ويفسر أَبو حيان في البحر إعادة الكرة عليهم بقوله: إِن ملكا غزا أَهل بابل، وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا، ممن يقرءون التوراة، وأبقى عنده بقية في بابل فلما غزاهم ذلك الملك وغلب عليهم تزوج امرأة من بني إِسرائيل فطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى ديارهم ففعل، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن مما كانوا، انتهى.
ولعل أَبا حيان يشير بما يقول إلى غزو الفرس لأهل بابل، ففي سنة ٥٣٩ قبل الميلاي غزا الفرس فلسطين واحتلوها بعد أَن احتلوا بابل، وأَلحقوها بدولتهم قرنين من الزمان، وفي عهدهم عادت قبيلة يهوذا من بقايا الأسر البابلى إلى القدس، وأعادت بناء الهيكل من جديد.
وقيل رد الكرة: بأن سلط الله تعالى داود على جالوت فقتله، وعادت الدولة إليهم بملك طالوت عليهم، وتلاه داود ﵇، ثم سليمان ثم انقسموا وتحاربوا، فسلط الله عليهم عباده للمرة الثانية، وستأتي بقية الحديث عن ذلك بمشيئة الله تعالى.
بعد أَن بين الله تعالى أنه رد لهم الكرة علي أَعدائهم ونصرهم، جاءت هذه الآية، لتبين أَن ما نالهم من العقاب أَولا والنصر ثانيا إنما يجري على قاعدة الجزاء العادل فإن هم أحسنوا أُثيبوا، وإن هم أساءُوا عوقبوا.