وأُطلقت في الآية على الإيمان، لأنه يتداخل في القلوب تداخل الصبغ في المصبوغ ويظهر أثره على المؤمن، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب، ويُقال: تصبغ فلان في الدين، إذا أحسن دينه.
بعد أن بين الله ﷾ ضلال اليهود والنصارى - في أنفسهم - بقوله حكاية عنهم: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ (١) بين هنا إضلالهم لغيرهم، بقولهم: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ ثم أتبع ذلك الرد عليهم، وفيما يلي بيان ذلك.
﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾.
حكت لنا هذه الجملة، دعوة كل من اليهود والنصارى للمؤمنين، إلى اتباع دينهم، وزعمهم أنه الحق دون غيره. وليس المعنى أن كلا الفريقين قالوا ذلك على وجه التخيير، بل المعنى: أن اليهود قالوا لهم: كونوا هودًا تهتدوا، والنصارى قالوا لهم: كونوا نصارى تهتدوا.
ويساعد على إفادة هذا المعنى - باللفظ الموجز - ما هو معروف من أن كل فريق منهما يدعي أن ديانة الآخر باطلة.
﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ الخطاب للنبي ﷺ و ﴿بَلْ﴾: إبطال لما ادعاه كل من الفريقين. و (مِلَّة): منصوب بفعل مقدر تقديره: نتبع. و ﴿حَنِيفًا﴾: حال من إبراهيم ملازمة له.
والمعنى قل يا محمد: بل نتبع ملة إبراهيم مستقيمًا دائمًا على الحق.
وهذا يشير إلى أن اليهودية والنصرانية - بعد تحريفهما - غير مستقيمتين، وأن ملة إبراهيم - وهي الإسلام الذي نحن عليه - أولى بالاتباع من الملل المعوجة.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ نفي عن إبراهيم أن يكون مشركًا، وعرض بإشراك جميع الكافرين: الذين يفخرون بانتسابهم إلى إبراهيم، ويدعون أنهم على ملته. فكفار العرب عبدوا الأصنام واقترفوا كثيرًا من النقائص.