أَي فلما دخلوا على يوسف بعد ما رجعوا إِلى مصر امتثالاً لأمر أَبيهم! وإِنما لم يذكر هذا المطوىّ إيذانًا بمسارعتهم إلى الامتثال، وإِشعارًا بأَن هذا أَمر محقق لا يفتقر إلى الذكر والبيان. وهذه هي المرة الثالثة من ذهابهم إلى مصر.
(قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ)): خاطبوه بذلك تعظيمًا على حد خطابهم السابق، والمراد - كما قال الفخر الرازى وغيره - يأَيها الملك القادر المنيع.
(مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ): أَي الهزال من شدة الجوع - والمراد بالأَهل ما يشمل الزوجة وغيرها.
(وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ): قليلة القيمة. لا تصلح أَن تكون ثمنًا للطعام الذي نريده، قيل كانت بضاعتهم من متاع الأَعراب. صوفًا سمنًا. ونحوهما. وإنما قالوا ذلك ليكون باعثًا على الشفقة والرأْفة وتحريك عاطفة الرحمة. تمهيدًا لقولهم:
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ): أَي أَتممه لنا كعادتك.
(وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا): برد أَخينا إِلينا وهو الأَنسب بحالهم نظرًا إلى أَمر أَبيهم. وإنَّما سمَّوه تصدقًا - قصدًا إِلى استعطافه!
(إِنَّ اللهَ يَجْزِى الْمتَصَدِّقِينَ): بما هم أَهله. بل بما هو ﵎ أهله: بإختلاف ما ينفقونه. وإثابتهم بما هو خير منه في الآخرة والأولى.
أَي قال يوسف ﵇ مُجِيبًا لإِخوته وقد هزَّه استعطافهم. وأَخذته الشفقة عليهم: هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأَخيه إِذ أَنتم جاهلون بقبحه فلذا أَقدمتم عليه. أَو جاهلون عاقبته!! - قال ذلك نصحًا لهم وتحريضًا على التوبة وشفقةً عليهم لما رأى عجزهم،