أي والله لقد أَصبنا فرعون وقومه بالقحط الشديد والجدُوب المتراكمة. وأَنقصنا من ثمرات زروعهم وبساتينهم بتسليط الآفات والأَمراض التي فتكت بأَكثرها لعلهم يتعظون ويتدبرون في أمرهم. فيعلموا أَن ما نزل بهم إِنما هو بسبب كفرهم وطغيانهم فيرجعوا عما هم عليه من العتو والفساد، ويؤمنوا بالله الواحد القهار، فإِن الشدة ترقق القلوب، وترَغِّب فيما عند الله - تعالى - وتفتح أَبواب الضراعة إِليه. كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ (١) ولكنهم لم يتعظوا وظلوا في طغيانهم يعمهون.
أَي: فإِذا جاءَت هؤلاءِ المكذبين بموسى السعة وأَثمرت أَراضيهم وتوالت عليهم الخيرات قالوا هذا حق لنا قد جاءَ لأَجلنا، أَصابنا عن استحقاق له وجدارة به، ينكرون بذلك إِنعام الله عليهم وإِحسانه إِليهم.
أَي: وإِن تنزل بهم الخطوب والأَمراض، ويحل بهم الجدب والقحط يتشاءَموا بموسى ومن معه، وينسبوا ذلك إِليهم، ويقولوا ما حلت بنا الكوارث، وما أَصابتنا النوازل إلا بشؤم موسى ومن معه. وذلك لقسوة قلوبهم وتركهم التدبر في الآيات والنذر.
﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾: أَي أَلا إن ما قدر لهم من الخير والسعة، وما أَصابهم من السوءِ والبلاءِ، إِنما هو من عند الله وبتقديره، وليس شرهم بسبب موسى وقومه، ولا خيرهم باستحقاقهم، وكل من الشر والخير ابتلاءٌ من الله تعالى لعباده، ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾: أَي ولكن أَكثر هؤلاءِ الطغاة الجبارين جهلاء لا يعلمون أن ما حل بهم من الشدائد والنوازل ما هو إِلا بلاءٌ من عند الله وحده بسبب ذنوبهم واستعلائهم في الأَرض بغير الحق ليزدجروا، لا بسبب موسى ومن معه. وما أَصابهم من الخير ما هو إلا فتنة لعلهم يتذكرون ربهم فيشكرون.