تضمنت هذه الآية وعيد القاذفين للمحصنات الغافلات المؤمنات باللعن في الدنيا والآخرة، وبالعذاب العظيم.
واختلف في المراد: بهذا الوعيد، فقيل: هم القاذفون لعائشة ﵂، مراعاة للسياق وبهذا أخذ ابن عباس وابن جبير، والجمع في قوله: ﴿الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ باعتبار أَن رميها رميٌّ لسائر أمهات المؤمنين، لاشتراكهن في الطهر والنقاء والقرب من رسول الله ﷺ ونظيره جمع المرسلين في قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾. مع أنهم كذبوا هودًا وحده.
وقال المحققون: هم الذين يقذفون أمهات المؤمنين، فلا يختص بهذا الحكم من رمى عائشة وحدها، بل يعمه ومن رمى غيرها من زوجات النبي ﷺ حفاظًا على كرامة البيت النبوى الشريف. وبهذا الرأى قال ابن عباس في رواية أُخرى، فقد أخرج ابن جرير والطبرانى بسندهما عنه أَنه قرأَ سورة النور ففسرها، فلما أتى على هذه الآية قال: هذه عائشة وأمهات المؤمنين، وهذا هو الراجح وبه نقول: ولم يَجْعَلْ ابن عباس لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى غيرهن من المحصنات التوبة، وقرأ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ إِلى قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ الآية. والذى يظهر - والله أَعلم - أَن الله تعالى يقبل توبة من تاب منهم لقوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ولأنه قد تاب مسطح وحمنة وحسان واعتذروا وقبل الرسول اعتذارهم ولم يعاملهم معاملة المرتدين، بل أَقام عليهم حد القذف، تطبيقًا لحكم الله في القاذفين، ودعا القرآن الصّديق أن يعيد النفقة لمسطح وأَطلق عليه لقب المهاجر، وهو تشريف لا يناله إلا مؤمن قبل الله توبته.
فإن قيل: إِن وعيد القاذفين بأَنهم ملعونون في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يؤذن بكفر القاذفين، فإن مثل هذا الوعيد لا يكون إلا للكافرين: فالجواب عليه من وج