للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(أَحدها) أن هذا الوعيد محمول على من يقذفهن بعد نزول آيات البراءة لأزواجه لأنه حينئذ يكون مكذّبًا لله، ومن كذب الله فهو كافر ملعون وله عذاب عظيم.

(ثانيها) أَنه مقصود به من ظل مستبيحا للطعن كابن أُبيٍّ وشركائه من المنافقين الذين تظاهروا بالتوبة، وقد روى عن ابن عباس تخصيص وعيد الآية بابن أُبي رأس النفاق ومبْتدع الإفك.

(ثالثها) أَن هذا الوعيد مشروط بعدم التوبة، ولم يذكر هذا الشرط، لأنه معلوم بالضرورة أَن من تاب، تاب الله عليه، وهو الراجح لما تقدم بيانه.

وقيل: إِن الآية نزلت في مشركى مكة، فقد كانت المرأَة المسلمة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها، وقالوا عنها: خرجَتْ لتفجر - حكاه صاحب البحر عن أَبي حمزة اليمانى وأُيِّد بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فإن شهادة الأعضاء تكون على الكفار لقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ … ﴾ (١) الآيات الثلاثة.

وإذا كان القاذفون من المسلمين، فالمقصود من لعنهم في الدنيا - كما قال القرطبى -: إبعادهم وضربهم الحد، واستيحاش المؤمنين منهم، وهجرهم وإنزالهم عن رتبة العدالة، والإِمساك عن حسن الثناء عليهم.

وأَما على قول من قال: إن الآية نزلت في مشركى مكة، فالمراد من لعنهم: طردهم عن رحمة الله ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ما لم يُسْلِموا فإن الإِسلام يَجُبُّ ما قبله، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾.

والمعنى الإجمالى للآية على الوجه الراجح، إِن الذين يرمون بالفاحشة أَزواج النبي المؤمنات العفيفات عما يفترى عليهن، الغافلات عما ينشره الآفكون حولهن منْ قَالة السوء، ولا علم لهن بما يفترون - إِن هؤُلاءِ القاذفين - يلعنون في الدنيا حيث يقاطعهم المجتمع ويبعدهم عن حظيرته، ويقيم القاضى عليهم حد القذف، وترد شهادتهم ويوصمون بوصمة الفسق،


(١) سورة فصلت، الآيات: ١٩ - ٢١