للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما يطردون في الآخرة من رحمة الله، ولهم فيها عذاب عظيم لا يقادر قدره، إلا من تاب وعمل صالحًا فإنه يرد إليه اعتباره فتقبل شهادته بعد إقامة الحد عليه، ويغفر الله له عثرات لسانه، أما على أن الآية نزلت في مشركى مكة فمعناها واضح.

٢٤ - ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾:

المقصود من شهادة هذه الجوارح عليهم: أن الله تعالى ينْطِقُ كل جارحة بما صدر عنها، لكبح إنكارهم وقطع أَعذارهم، وهذه الآية مرتبطة بالآية التي قبلها.

والمعنى: والذين يرمون المحصنات لهم عذاب عظيم، في يوم تشهد عيهم ألسنتهم بما افترته من الأكاذيب، ورددته من الفحش، وتشهد عليهم أيديهم بما جنته من التشهير بالإشارات وتشهد عليهم أَرجلهم بما سعت إِليه من نقل المفتريات، فينطقها الله الذي أنطق كل شيء، وتغْلَق دونهم منافذ الإنكار، ومقتريات الأعذار في يوم تشخص فيه الأبصار: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ (١).

والآية وإِن نزلت بخصوص واقعة القذف، فالحكم فيها عام يتناول جميع ما يكتسب بهذه الجوارح من المعاصي.

٢٥ - ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ (٢):

أي: يومئِذ تشهد عليهم جوارحهم، يوفيهم الله جزاءهم الحق المناسب لما كسبوه من السيئات، ويعلمون مما يشاهدونه من عدالة الله وقدرته وعظمته التي تتجلى في أحوال القيامة وأَهوالها - يعلمون أن الله هو الإله الحق الذي لا ريب فيه، الظاهر الذي لا خفاء في أُلوهيته وعدالته وقدرته، أو المظهر لأهل الحق حقوقهم، ولأهل الباطل أَباطيلهم، المجازى لكليهما بما كسبه في دنياه.


(١) سورة غافر الآية: ٥٢
(٢) اسم فاعل من أبان، ويكون لازمًا بمعنى ظهر، ومتعديا بمعنى أظهر، كما يتضح من تفسيرنا للآية.