يقول الله - تعالي - مقررًا للمعاد ورادًّا على المكذّبين من أهل الزيغ والإلحاد الذين قالوا: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ يقول - تعالى - رادًّا عليهم -:
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أي: نحن ابتدأنا خلقكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا أليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأخرى ولذا قال: ﴿فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾ أي: فهلَّا تصدقون بالبعث - تحريض لهم وتحضيض على الإيمان به. وقال الزمخشريّ: ﴿فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾ تحضيض على التّصديق إمّا بالخّلق، لأنهم وإن كانوا مصدّقين به بدليل قوله - تعالى -: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (١) إلاَّ أنهم لما كان مذهبهم وسلوكهم في الحياة خلاف ما يقتضيه التصديق فكأنهم مكذبون به، وإما تحضيض على التصديق بالبعث؛ لأن من خلق أوّلا لا يمتنع عليه أن يخلق ثانيًا، واختار الآلوسي الرأى الأول.
أي: أخبرونى ما تقذفونه في أرحام النساء من المني أأنتم تقدّرونه وتتعهدونه في أطواره المختلفة وتصورونه بشرًا سويًّا تام الخلقة أم نحن المقدرون المصورون، قال القرطبي: وهذا احتجاج عليهم أي: إذا أقررتم بأنَّا خالقوه لا غيرنا فاعترفوا بالبعث.
﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ أي: نحن قضينا به بينكم وكتبناه عليكم وقسمناه ووقتنا موت كل أحد بوقت معيّن حسبما تقتضيه مشيئتنا وما نحن بمسبوقين ولا عاجزين ولا مغلوبين ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ أي: على أن نذهبكم ونأتى