بين الله فيما تقدم أنه تعالى أَعطى موسى كتاب التوراة وجعله هدى لبني إسرائيل، وأنهم لم يعملوا به، بل أفسدوا في الأرض، وجاءت هذه الآية والتي بعدها لبيان أَن هذا القرآن أعطاه محمد ﷺ لكي يهدى الناس جميعًا إلى ملة الإسلام، فإنها أَقوم الملل، وأن علي جميع الخلق أن يؤمنوا به ومنهم أهل الكتاب.
والمعنى: إِن هذا القرآن الذي أَنزلناه عليك يا محمد يهدى الي الملة التي هي أقوم الملل وأعدلها وهي ملة الإِسلام إلى الله، والتوحيد الخالص من كل شوائب المشرك، والتنزيه له تعالى عن شوائب المماثلة للبشر، وعن سمات النقص التي لم تتورع عنها الملل والنحل المختلفة وكما يهدى إِلى الملة التي هي أقوم يبشر المؤمنين بأحكامه وعقيدته، الذين يعملون الأعمال الصالحة التي دعاهم إليها - يبشرهم - بأن لهم في مقابل إيمانهم وصالح أعمالهم أَجرًا كبيرًا في ذاته وفي أوصافه الكريمة، ينالونه في جنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين.
معطوف علي ما بُشِّرَ به الذين آمنوا داخل في حيز البشارة لهم، فكأنه قيل: يبشر المؤْمنين الصالحين بأجر كبير لهم، ويبشرهم أيضًا بأن أَعداءهم الذين لا يؤمنون بالآخرة الإيمان الصحيح، أَعددنا لهم فيها عذابا مؤلما، فإن الانتقام من العدو سرور يستحق أن يبشر به عدوه، وبخاصة إذا كانت العداوة من أجل الحق ﵎(١).
(١) ومن أجل ذلك يسخر المؤمنون من الكافرين في الآخرة، قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ الآيات ٣٤، ٣٥، ٣٦ من سورة المطف