ويصح أن يراد من البشارة مطلق الإخبار الشامل للإخبار بما يَسُرُّ وبما ليس كذلك على سبيل المجاز، ومن استعمال التبشير في العذاب قوله تعالى في سورة النساء: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (١٣٨) وفي سورة التوبة: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (٣٤).
بينت الآيتان السابقتان منزلة القرآن الكريم من الهداية للطريقة التي هي أقوم، وبشارته للمؤمنين بحسن المثوبة، وإنذاره للكافرين بشديد العقوبة، وجاءت هذه الآية لتبين أَن الإنسان لم يراع مصلحة نفسه حيث يطلب الشر ويتعجله بدل الخير، والمراد بالإنسان الجنس، وقد أُسند إليه حال بعض أفراده وهو الكافر والعاصى، أو حاله بصفة عامه في بعض أَحيانه.
والمعنى على الأول مع ربطه بما سبق: أن هذا القرآن يهدى إلى الملة والشريعة التي هي أقوم ولكن الإنسان الكافر والعاصي يدعو لنفسه بالشر - أَي يطلبه لها - بكفره وعصيانه - يدعو لنفسه بهذا الشر مثل دعائه بالخير وطلبه لها، من غير تفرقة بين ما يؤَدي به إلى العقوبة وما ينتهي به إلى المثوبة جهلًا منه وسوء تمييز، وكان الإنسان بطبعه مبالغا في العجلة حيث سارع إلى ما يؤدي به إلى الضرر بغير تريث ولا مبالاة،، تجاهل ما ينتهى به إلى الخير والمنفعة عاجلها أَو آجلها، ولو تريث وفكر لاختار الإيمان والطاعة لحسن عاقبتها، ولنبذ الكفر والمعصية لسوء منقلبها، وقد منحه الله العمل ليقوم به غرائزه فلا عذر له في إهداره وعدم الانتفاع بتقويمه.
والمعنى على الثاني: إِن هذا القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير، وهو في بعض أحيانه يترك الدعاءَ بالخير ويدعو الله لنفسه وماله وأَهله وولده بالشر لمرض أَصابه أو غضب حل به، أَو ضجر من بليّة ومحنة، وكان الإنسان بحسب غريزته وجبلته شديد العجلة، لا يميل إلى التأني حتى تزول المحنة أَو العارض الذي استتبع دعاءه، ولو تأنى وتذرع بالصبر الذي يدعو إليه العقل والشرع، لآثر الدعاء بالخير بدل الدعاء بالشر.
وقد جاءَ النهي عن ذلك صريحا، فقد أخرج أَبو داود والبزار عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "لَا تدْعوا عَلَى أَنفسِكم لَا تدْعُوا عَلَى أولَادِكم لَا تدْعُوا عَلَى أَموَالِكم، لئِلا توَافِقوا مِن الله تعَالى ساعَة فِيها إِجَابَة فيستجيب ل