شروع في قصة موسى وهارون بعد الفراغ من قصة إِبراهيم وما تضمنت من أَخبار غريبة، وأَحداث عجيبة، ومنح جزيلة، ومواقف جليلة.
وصدّرت قصتهما بالمنَّة لإِبراز فضل الله - تعالى - عليهما في ظهورهما على قوم جبَّارين في أُمة عاتية، على رأْسها فرعون الغاشم المتأَله، لا يبالون بما يرتكبون من مظالم، ولا يخجلون مما يقترفون من مغاشم.
والمعنى: ولقد أَحسنَّا وأَنعمنا على موسى وأَخيه هارون بالنبوَّة وغيرها من النعم الدينية والدنيوية، حيث بعثناهما في قوم جبارين، يستعبدون الأحرار، ويسخرونهم في مصالحهم، ويسومونهم سوء العذاب.
أَي: لم يقف أَمرنا معهما على الإِنجاءِ من كرب فرعون وقومه، وبطشهم بهم، بل تجاوز ذلك إِلى نصر موسى وهارون وقومهما على هذا الطاغوت، فكانوا هم الغالبين عليهم غلبة ليس وراءَها غاية، القاضين عليهم قضاء تركهم عبرة للعالمين وآية للمتأَملين.
وقد بدئ في الآية بالتنجية، وإِن كانت مقارنة للنصر للإِشارة إِلى أَن مجرَّد التَّنجية من عذاب فرعون وقومه في ذاتها نعمة، فضلًا عمَّا صحبها من النصر والغلبة، لتوفية مقام الامتنان حقه بإِظهار كل مرتبة من المراتب الثلاث: التنجية، والنصر، والغلية نعمةً جليلة على حيالها.