وجه تعلق هذا الأمر بما قبله واقترانه بالفاء على ما ذكره الزمخشرى: أنه ﷾ لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما كسبت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل، فقال - تعالى -: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ … ﴾ الآية، والخطاب للنبي، والمراد هو وأُمته، على أنه المقصود به أصالة، وأُمته تبعًا، وقال الحسن: هو خطاب لكل سامع، وجوز غير واحد أن يكون الخطاب لمن بسط له الرزق.
أي: فأَعط ذا القربى حقه من الصدقة وسائر المبرات صلة للرحم. قال مجاهد وقتادة: صلة الرحم فرض من الله ﷿ حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة، وقيل: إن الأمر بالإيتاء لذى القربى على وجه النَّدب، وقد فضل رسول الله ﷺ الصدقة على الأَقارب على عتق الرقاب، فقال لميمونة وقد أَعتقت وليدة:"أَما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" من القرطبي بتصرف.
وأعط المسكين وابن السبيل ما يستحقانه، قال ابن عباس: أي: أطعم السائل الطواف والضيف المنقطع به الطريق، والمشهور: أنه المنقطع عن ماله.
وعُبّر عن القريب به القربى في جميع المواضع، ولم يُعَبَّر عن المسكين بذي المسكنة؛ لأن القرابة ثابتة لا تتجدد، ولا يقال: ذو في الأغلب إلاَّ في الثابت، ألَا ترى أنهم يقولون لمن تكرر منه الرأْي الصائب: فلان ذو رأى، وتكاد لا تسمعهم يقولون لمن أصاب مرة في رأيه كذلك، والمسكنة لكونها تطرأ وتزول لم يُقل فيها ذلك.
﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾: أي إن الإتيان المفهوم من الأمر خير في نفسه أو خير من كل عمل آخر، للذين يقصدونه ﷿ بمعروفهم خالصًا يأْملون به النظر إلى وجهه يوم القيامة، وهو الغاية العظيمة والرجاءُ المأْمول.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾: حيث حصلوا بإِنْفاق مالهم النعيم المقيم، لا الذين بخلوا بما أُوتوا ولم ينفقوا شيئًا.