على نفى علم الأَنبياء بالغيب، إذ لو ثبت لهم ذلك لاستكثر ﷺ من الخير الذي ينفعه، وابتعد عما وقع له من ضرر وسوء وبخاصة في سبيل تبليغ الدعوة، وفي جهاد الكفار والمشركين، ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: أَي ما أَنا إِلا رسول من البشر اصطفاه الله لإنذار العصاة والكفار من النار، وبشارة الذين يؤمنون باللهِ بالجنة، خصنى الله بمعرفة ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا أَتعدى ذلك إِلى العلم بالغيب الذي لا يتوقف العلم بالأَحكام والشرائع عليه، قال تعالى: ﴿هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾.
وقد كشف الله من أَمر الساعة ما يتعلق بمصلحة الإِنذار من أَنها آتية لا ريب فيها وأَنها اقتربت. وأَما تعيين وقتها فليس مما يقتضيه الإِنذار، بل مما يضربه؛ لأَن إِيهام وقتها أَدعى إِلى التخويف والترهيب، ويجوز أن يكون قوله تعالى ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ متعلقا بالوصفين [النذارة والبشارة]، ولا يقال حينئذ إِذا كان الله قد أَرسله بشيرًا ونذيرا للناس كافة، فما وجه التقييد بقوله: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ لأَن ثمرة الرسالة بالبشارة والنذارة إِنما ظهرت في المؤمنين خاصة، فنص القرآن على محل النفع والفائدة، على حد قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، وقوله: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾.