وكما أمره بتطهيره مما ذكر للطائفين، أشرك معهم في هذا الحكم: المعتكفين فيه عن الناس لعبادة ربهم، والمصلين الذين عناهم سبحانه بقوله: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.
وإنما عبر عن المصلين بالركع السجود، لأن أبرز معاني الطاعة والخضوع لله في الصلاة، يتجسم في الركوع والسجود.
ولم يستجب أهل الكتاب والمشركون لهذا الأمر ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ لكفرهم فإن أهل الكتاب لا يصلون إلى البيت الحرام، الذي بناه جدهم إبراهيم، وصرف وجوه الناس إليه، وحملهم على أداء النسك حوله، والمشركون لوثوه بالأوثان والذبائح حولها، وهذا ما يَدَّعون الانتساب إليه، فأين دعواهم هذه مما يعملون؟
أما محمد ﷺ فهو الذي أحيا شريعة جده وحافظ عليها كما أمر.
مازال الحديث متصلًا، فبعد أن تكلم إبراهيم وتكلم عن البيت الذي بناه، شرع يتكلم عن مكَّة: بلد البيت وموطن ولده إسماعيل، وموضع نسكهما.
والمعنى: واذكر وقت أن قال إبراهيم - وقد أنزل ولده الرضيع وأمه بوادٍ غير ذي زرع - يا رب اجعل هذا المكان المقفر: الذي لا شجر فيه ولا زرع ولا ماء، اجعله ﴿بَلَدًا آمِنًا﴾ بأن تحوله من هذا الإقفار إلى بلد آهل بساكنيه، ذي أمن، فلا يُعتدى على قاطنيه، وقد كانت مكة حرمًا آمنًا قبل إبراهيم ﵇.
فقد روى مسلم عن ابن عباس مرفوعًا "أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض" الحديث، ودعاء إبراهيم لإظهار تلك الحرمة وتجديدها.