بعد أَنْ بَيَّنَ القُرآنُ الكرِيمُ، عاقبة المُكَذِّبين، جَاءتْ هَذِه الآية وَمَا تَلاهَا لتنْعَى على المكذبين من أَهل مكة ومن كان قبلهم وتوبخهم على إِصرارهم على الكفر إذ كان سببًا في إهلاكهم وحرمانهم من الخير.
أَي: ولو أَن كفار مكة والذين أُهلكوا قبلهم بسبب تكذيبهم آمنوا باللُه وبما أَنزله من الشرائع على أَنبيائهم، واعتبروا بما أَصابهم من الضراء والسراء قبل إِهلاكهم، وجعلوا بينهم وبين الكفر والمعاصي وقاية بامتثال أَوامر الله واجتناب نواهيه، ولم يصروا على ما فعلوا من القبائح ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾: أي ليسَّرْنا لهم سبل الخيرات الكثيرة والأَرزاق الوفيرة ووسعناها عليهم من كل باب فأَنرلنا عليهم من السماء ماء مباركًا فأَنبت الزرع وأَدرَّ الضرع وأَخرجنا لهم الكثير من كنوز الأَرض وذللنا لهم ما على ظهرها من الدواب والأنعام ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾.
﴿وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾: أَي ولكن كذبوا الرسل واستمروا على الكفر والقبائح، ولم يؤمنوا ولم يعتبروا بما أَصابهم فعاقبناهم جزاء ما قدمت أيديهم وَعِبْرَة لغَيرهمْ، وَمِن ذلكَ مَا أصَابَ قُرَيْشًا مِنَ الجَدب وَالْقَحْط بَعْدَ هِجْرَة النَّبِي ﷺ عنهم، لإِصرارهم على الكفر فلما آمنوا فتح الله عليهم بركات من السماء والأرض وقد عبر الله تعالى عن إِفاضة النعم والبركات علي من يؤمن بالأَنبياءِ بقوله:(فتحنا) للإِيذان بأَنها ميسرة وكثيرة كأَنها تتدفق عليهم من أبواب مفتحة.
وفي سياق الحديث عن تقريع المكذبين من أَهل القرى يقول الله تعالى:
٩٧ - ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ﴾: أي أَغفل أَهل القُرَى عَمَّا في الإنْذَار بِالبَأْسَاءِ والضرَّاء مِنَ العِبْرة وما يليه مِنَ الأخْذ وَالإهْلَاك، فأمِنُوا أَنْ ينزلَ عليهم عذابُنا وقت بياتهم في منازلهم وهم غارقون في النوم؟