وأهل القرى كما تقدم - يعلم كفار مكة ومن حولها، والمكذبين للرسل من الأُمم قبلهم، فتكون غفلة كفار مكة عدم اعتبارهم بإنذار من قبلهم ثم إِهلاكهم إنْ أصرُّوا، وغفلة المكذبين من قبلهم عدم اعتبار كل أُمة بإنذار من قبلها ثم إهلاكهم، أَو عدم اعتبار الأُمة الواحدة بإنذار الله لها بالبأْساء والضراء قبل إِهلاكها كما جرت سنة الله في إهلاك المكذبين.
ويقول الله تعالى في سياق توبيخهم:
٩٨ - ﴿أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾: أَي أَغفل أَهل القرى عما في إِنذار المكذبين ثم إهلاكهم من عظة وعبرة وأَمنوا أَن ينزل عليهم عذابنا في صدر النهار وقت الضحى عند انتشار ضوءِ الشمس إِذا ارتفعت ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾: أي وحالهم أنهم يلهون ويشتغلون بما لا ينفعهم كأنهم يلعبون لشدة غفلتهم.
وجاءت الآية بأْسلوب التوبيخ كسابقتها للمبالغة في التقريع والتشديد.
والمراد استنكار أن يأْمن أهْل القرى نزول العذاب عليهم ليلًا أو في أَول النهار، وتقريرًا للاستنكار السابق قال تعالى:
٩٩ - ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾: أَي أَجهلوا سنة الله في خَلْقِه فأمِنُوا استدرَاجه إِيَّاهُمْ بإِغدَاق نِعَمِه عَلَيْهِم، وَأخْذه لَهُم فَجأةً من حيث لا يحتسبون؟ إِن هذا لمنكر وعجيب. لأَنه لا يأْمن نزول الهلاك إِلا الذين خسروا أنفسهم بالكفر. وأضاعوا فطرة اللهِ التي فطر الناس عليها بترك النظر والاعتبار:
وإشباعًا لاستنكار كفر المكذبين يعقب الله ما تقدم بقوله:
أَي أَو لم يجلب الهداية للكافرين الذين يرثون الأَرض من بعد إهلاك أَهلها، أن الشأْن لدينا لو نشاءُ لأصبناهم بالعذاب بسبب ذنوبهم، كما أَصبنا مِنْ قبلهم الذين ورثوهم الأَرض بعد هلاكهم بسبب ذنوبهم، فشأْننا في الوارثين هو شأْننا في الموروثين إذا كانوا على سنتهم، والمراد بالوارثين كل من كفر بمحمد ﷺ.