الآية استئناف وارد: إما لتمثيل الحياة الدنيا في سرعة زوالها، وقرب اضمحلالها بما ذكر من أحوال الزرع تحذيرا من الاغترار بها، وتنفيرا من التشبث بأذيالها، بعد أن وصفت الجنة بما يرغب فيها، ويشوق إليها، وإما للاستشهاد على تحقق الموعود من الأنهار الجارية تحت الغرف بما يشاهد من إنزال الماء من السماء، وما يترتب عليه من آثار قدرته - سبحانه - وآيات حكمته ورحمته.
والمعنى: ألم تر أيها المخاطب أن الله أنزل بعظيم قدرته من السحاب ماء المطر أنزله بأسباب أرادها الله. فإن تصعيد الأبخرة من البحار بسبب حرارة الشمس وتكوين الغيوم ونحو ذلك من الأسباب الجوية التي أنشأها الله - جل وعلا - لإنزال المطر على الجبال والسهول والأودية، وسائر الأنحاء؛ أنزله - سبحانه - فأدخله في مسارب وينابيع في الأرض كالعروق في الأجساد ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ﴾ ثم يخرج الله بالمطر ﴿زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ أي: أنواعه وأصنافه من بر وشعير وغيرهما، أو مختلفا ألوانه المُدْرَكَةُ بالبصر من خضرة وحمرة وغيرهما، ويشمل الزرع المقتات للبشر وغيره ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ أي: يتم جفافه بعد أن انتقل في أطواره نموا ونضارة فتراه بعد خضرته مصفرا ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا﴾ أي: فتاتا متكسرا.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ إن فيما ذكر تفصيلا من إنزال الماء، وإخراج الزرع لتذكيرا عظيما لأصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، وتنبيهًا لهم على حقيقة الحال، يتذكرون بذلك أن حال الحياة الدنيا في سرعة التقضي والانصرام، كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام، فلا يغترون ببهجتها ولا يفتنون