كان للقحط الذي حل بمصر في السنين العجاف، أَثره في أَرض كنعان بالشام فبعث يعقوب ﵇ أَولاده لشراءِ قمح وطعام من مصر، بعد أَن ذاع أَمر يوسف في الآفاق، حيث عرافوا أَنه اختزن الأَقوات للمجاعة وأَنه يوزعها بعدل ورحمة، وكان - كما قيل يعطى الطعام بمقدار معين لكل فرد - كما كان يشرف على التوزيع بنفسه ضمانًا للعدالة والدقة. وجاءَ إِخوة يوسف امتثالًا لأَمر أَبيهم، فدخلوا عليه ليطلبوا منه الطعام، فعرفهم يوسف، ولكنهم لم يعرفوه، لأَنهم أَلقوه في الجبِّ ثمَّ باعوه صبيًا (١)، ولم يتوهَّموا أَنَّه بعد العبوديَّةِ يصير إلى هذا السُّلطانِ، بالإضافة إلى أَنه فارقهم منذ مدَّةٍ طويلة، قيل إنَّها كانت أَربعين سنةً، وقد تزيَّا بِزىّ أَهل مصر، وعليه مظاهر السُّلطان.
﴿جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾: أعدَّ لهم حاجتهم من الطعام الذي حضروا لجلبه من مصر في السنين العجاف، والجهاز في اللغة ما يحتاج إليه المسافر والعروس والميت وتجهيزه إحضاره. وقد أجمع القراء على فتح الجيم في الآية الكريمة، ويجوز فيها الكسر لغة وإن كان الفتح أشهر.
(١) على ما جاء بإحدى الروايات، انظر ما كتبناه شرحا لقوله تعالى: (وشروه بثمن بخس) الخ …