للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾: تنزيها له تعالى عما يلحقونه به من الولد والشريك.

﴿الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾: المراد بهما: ما غاب عن خلقه وما أبصروه. ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾: فتنزه عن إشراكهم.

[التفسير]

٩١ - ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)﴾.

والمعنى: ما اتخذ الله لنفسه من ولد، لتنزهه عن الاحتياج إليه ليعينه أَو يرثه من بعده كما هو الشأْن في الولد، فهو القادر الذي يقول للشئ: كن، فيكون، وهو الباقى الذي لا يفنى ولا يبيد ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ (١).

وكما أنه تعالى لم يتخذ ولدا فإنه لم يكن معه من إله حين أَبدع ملكوته، ولا يصح عقلا أن يكون له فيه شريك كما زعم الزاعمون، فلو اشترك معه في الخلق غيره، لاستقل كل إله بما خلقه، إِن فرض استقلاله بخلقه، ولغالب بعضهم بعضا حتى يغلب قويهم ضعيفهم ويستقل بالكون وحده، إن فرض اشتراكهم في الكون تعاونيا، أَو كان لكل منهم ناحية خلقها، وبما أَننا نرى الكون وحدة متكاملة محكمة الصنع، فلا بد أَن يكون مبدعه إِلها عظيمًا واحدًا في ذاته وصفاته وأفعاله، فإِن التعدد في الإله يؤدى إلى التنافس والتغالب وينتهى إلى الفساد، كما قال سبحانه: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (٢) ولهذا ختم الله الآية بقوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩)﴾ أَي: تنزيها كاملا لله عما يزعمونه له من الولد والشريك.

٩٢ - ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾:

أَي: أَنه تعالى كما تنزه عن الولد وعن الشريك في خلق هذا الكون وتدبيره، فهو عالم بكل ما خفى وغاب عن العيون والعقول، وعالم بكل ما هو مشاهد ومرئى لأولى الأَبصار ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (٣) وإذا كان


(١) سورة الرحمن، الآيتان: ٢٦، ٢٧.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٢٢
(٣) سورة الأنعام، الآية