لا يزال الحديث موصولا مع المؤمنين، وسبب نزول الآية، على ما رواه الزهرى وغيره أن رسول الله ﷺ حاصر يهود بنى قريظة واحدا وعشرين ليلة وفي رواية البيهقي خمسا وعشرين ليلة، فسأَلوا رسول الله ﷺ الصلح كما صالح إِخوانهم بنى النضير، على أَن يسيروا إِلى إِخوانهم بأَذرعات من أَرض الشام، فأَبى رسول الله ﷺ إلا أَن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ (١)، فأَبوا وقالوا أَرسل لنا أبا لبابة رفاعة بن عبد المنذر، وكان مناصحا لهم؛ لأَن ماله وعياله كانوا لديهم فبعثه رسول الله ﷺ فأَتاهم، فقالوا: يا أَبا لبابة ما ترى؟ أَننزل على حكم سعد بن معاذ، فأَشار بيده إِلى حلقه - يعني أنه الذبح فلا تفعلوا - قال أبو لبابة: والله ما زالت قَدمَاىَ عن مكانهما، حتى عرفت أَنى قد خنت الله تعالى ورسوله ﵊، ثم انطلق على وجهه، ولم يأت رسول الله ﷺ، وشد نفسه على سارية من سوارى المسجد، وقال: والله لا أَذوق طعاما ولا شرابا حتى أَموتَ أو يتوب الله علىَّ، فلمَّا بلغ رسول الله ﷺ خبره قال: أَمَا لو جاءنى لاستغفرت الله له، أما إِذ فعل ما فعل، فإنى لا أطلقه حتى يتوب الله عليه، فمكث سبعة أَيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خرَّ مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له: يا أَبا لبابة قد تيب عليك، فقال والله لا أَحل نفسى حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يحلنى، فجاءه ﵊ فحله بيده، ثم قال أَبو لبابة: إِن تمام توبتى أَن أَهجر دار قومى التي أَصبت فيها الذنب، وأَن أَنخلع من مالى، فقال ﷺ: يَجْزيك الثلث أَن تصَّدَّق به، ونزلت هذه الآية.
(١) وسبب امتناع الرسول عن إجابتهم، أنهم خانوا عهدهم معه وانضموا إلى قريش في غزوة الخندق، وكادت تحصل بانضمامهم لهم كارثة للمسلمين، لولا لطف الله، راجع قصتهم في السيرة.