بدئت قصة لوط بما بدئت به قصة إلياس من تأْكيد رسالته، ثم ذكرت نجاته وأَهله إِلاَّ امرأَته من شناعة العذاب الذي لحق بقومه فهدَّم عليهم قراهم تنبيهًا إِلى أَن نجاته من هذا العذاب نعمة من أَجلّ النعم.
والمعنى: وإِن لوطًا ﵇ لمن جملة المرسلين الذين أَرسلهم الله لهداية أَقوامهم فدعاهم ونصحهم ووجههم إِلى ما يصلح دينهم ودنياهم فعارضوه، وكذَّبوه وأَمعنوا في الفاحشة النكراءِ من إتيان الرجال دون النساء، فاستوجبوا أَنكى عذاب وأَقسى عقاب حيث ائتفكت بهم قراهم، وتهدمت عليهم منازلهم فذهبوا فوق التراب أَثرًا، وبقوا للناس عبرا، فاعلم ذلك يا رسول الله، واذكر لقومك ترشيدًا ونصحًا إذ نجينا لوطًا وأهله من هذا العذاب الشديد والبطش العتيد إِلاَّ امرأَته العجوز التي انتصرت لقومها فكانت من الباقين في العذاب، أَو الماضين الهالكين في التراب.
ثمَّ دمَّرْنَا الآخرين فلم يبق منهم باق فإن في ذلك شواهد على صدق دعوته وكونه من جملة المرسلين.
أَي: وإِنكم يا كفار قريش لتمرون على منازلهم المهدَّمة في سفركم إلى الشام للتجارة وأَنتم داخلون في الصباح وفي المساءِ، أَي: نهارًا وليلًا "وسدوم" من قراهم المؤتفكة في طريقكم ترونها، وتشاهدون ما حلَّ بأَهلها.
وقوله - تعالى -: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ معناه: أَتشاهدون ذلك فلا تتدبرون ولا تعقلون حتى تعتبروا وتخافوا أَن يصيبكم مثل ما أَصابهم، وينزل بكم ما نزل بهم، فإِن منشأَ ذلك مخالفتهم رسولهم، وأنتم في مخالفتكم لرسولكم تفعلون مثل فعلهم.