لما بيّن الله سوءَ مصير من اغتر بوعود الشيطان وأَمانيه الكاذبة، وعقبه بذكر حسن مصير المؤمنين الصالحين، أَتبع ذلك بيان أَن الأَمر - بعد الموت - لا يكون بالتمني من هؤُلاء وأولئك، بل يكون بالعمل الصالح، فإن الآخرة هي دار الجزاء … والجزاءُ من جنس العمل. قمن يعمل سوءًا يجز به سوءًا، ومن يعمل خيرا يجز به خيرا. ولا يظلم ربك أَحدا.
سبب النزول:
أَخرج ابن جرير وابن أَبي حاتم، عن السدى، قال: التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقال اليهود للمسلمين: نحن خير منكم، ديننا قبل دينكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم. ونحن على دين إبراهيم، ولن يدخل الجنة إِلا من كان هودا وقالت النصارى: مثل ذلك. فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم. ونبينا ﷺ بعد نبيكم، وديننا بعد دينكم. وقد أمرتم أَن تتبعونا وتتركوا أَمركم. فنحن خير منكم، ونحن على دين إِبراهيم وإِسماعيل وإِسحق. ولن يدخل الجنة إِلا من كان على ديننا فأَنزل الله ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ … ﴾ الآية.
وقال القرطبي: مِن أَحسن ما قيل في سبب نزولها، ما رواه الحكم بن أبَان، عن عكرمة، عن ابن عباس. قال: قال اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان منا، وقالت قريش: ليس نبعث فأَنزل الله: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ … ﴾ الآية.
وليس هناك ما يمنع نزول الآية للسببين، فحكمهما عام: للمسلمين وأهل الكتاب والمشركين ومن في حكمهم من سائر الكافرين. كما سيتضح في الكلام على المعنى.
والمعنى: ليس الفوز بدخول الجنة والتقلب في نعيمها الذي وعده الله الصالحين، حاصلا بأَمانيكم - أَيها المسلمون - ولا بأَماني أَهل الكتاب، فإِن الأَماني - وحدها - لا تحقق هذه الغاية العظيمة. وإِنما يحققها - مع الإِيمان - العمل الصالح. أَما العمل النافع وحده فلا يحققها؛ لخلوه من قصد وجه الله تعالى، وهذا يستلزم الإِيمان. كما أَن عدم البعث ليس بأماني من