لما استثنى إِبليس المخلصين من التأَثر بإغوائه، لما أدركه فيهم من الحصانة الدينية والطهارة النفسية التي وهبها الله لهم، قال الله مؤكدا حمايته وحفظه لهم: هذا الذي قلته أَنت مِنْ أَنَّ المخلصين لا سبيل لك عليهم، طريق ومنهج مستقيم (علَّى) أَن أَلتزم به نحوهم، فلا أُسلطك عليهم، بل أَحميهم من وسوستك وإِضلالك إِياهم -وقد أَلزم الله تعالى نفسه بذلك تفضلا منه على عباده المخلصين، حماية لهم من إِغوائه- وقال مجاهد والكسائى في تفسير الآية: هذا على الوعيد والتهديد؛ كقولك لمن تُهدِّدُهُ: طريقك علىَّ، ومصيرك إِلىَّ، وكقوله تعالى:"إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ". فكأَن معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إِلىَّ فأُجازى كلاَّ بعمله -يعني طريق العبودية-.
في هذه الآية تأَكيد ثان لحماية الله للمخلصين من سلطان الشيطان عليهم، كما أَن فيها الإِخْبار بخذلانه للمُصِرين على الغواية.
والمعنى: إِن عبادى الذين خلقتُهم لكي يعبدونى ليس لك يا إِبليس تسلط عليهم ينتهى بهم إِلى الضلال المخرج من رحمة الله، إِلا من اتبعك من الضالين بسوءِ اختياره، فإِنه يخضع لسلطانك، ويتأَثر بإِضلالك، ويشترك معك في سوءِ مصيرك.
فإِن قيل إِن آدم وحواء من عباد الله المخلصين "فَأَزلَّهُمَا الشَّيطَانُ" وإِن بعض أَصحاب النبي ﷺ"اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ ببَعْضِ مَا كَسَبُوا" وبذلك يكون له سلطان حتى على المخلصين. فالجواب: أَن المقصود -والله أَعلم- أَنه ليس له سلطان على إِيمانهم وقلوبهم بحيث يلقيهم في ذنب يمنعهم عفو الله ويضيقه عليهم، فإِيمانهم متين وقلوبهم طاهرة، فإِن هم أَذنبوا تابوا -والتوبة تمحو الحَربْة- ثم توعد الله المصرِّين على الغواية فقال: