كرر يوسف النداء هنا لصاحبي السجن بعد أن أطال الحديث معهما في دعوتهما إلى الحق، تنبيها على أنه سيدخل بهما موضوعا آخر مغايرًا له، وهو تعبير حلميهما الذي طلباه، يقول يوسف: يا صاحبي في السجن، إِليكما تعبير رؤيا كليكما، أما أحدكما - وهو الذي رأى في منامه أنه يعصر خمرًا - فإنه يعود إلى خدمة سيده الملك بعد أن يعفو عنه ويخرج من السجن، وسيقوم على شرابه فيسقيه خمرا، وأما الآخر - وهو الذي رأى في منامه أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل منه الطير - فإنه يصلب فتأكل الطير من رأسه، ثم أغلق الباب دون التساؤل أَو التضرر مما أفتاهما به فقال:
﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾:
أي أتِمَّ الأمر الذي كنتما تستفتيان فيه وأحكم، ولم يعد فيه مجال للافتراض أو العدول عنه، فهو إِخبار موافق لما علمه ربه إياه وأرشده إليه، وليس فيه حدس ولا تخمين، والمراد بالأمر الذي فيه يستفتيان: ما رأياه من الرؤيين، وليس المراد مآلهما الذي هو نجاة أحدهما وهلاك الآخر - كما قال العلامة أبو السعود - فكأنه قال - عبرت لكما رؤييكما وأنا واثق من صدق تعبيرهما.
أي وقال يوسف للسجين الذي ظن نجاته من صاحبي السجن - وهو الذي رأى في منامه أنه يعصر لسيده الملك خمرًا - وأفتاه بأنه سيعود إِلى خدمته، قال يوسف لهذا السجين: اذكرني عند سيدك الملك حين تعود إلى خدمته، وحدثه عن تعبيري لرؤياك ورؤيا صاحبك حتى تحقق أمرهما على ما أخبرتكما، وأخبره أننى مظلوم حبست بلا ذنب، لعله يخرجني من السجن، ويمحو هذا الظلم عني.